٢٠١٢-٠٩-٢٢

أيها الحلم دعني أتقيؤك..تدوينة مقززة بعض الشئ




أكره إحساس القئ منذ الصغر ..أعرف أن الناس كلها تكرهه مثلي ..لكن لهذا الإحساس معي قصة مذ كنت صغيرة مترسبة في أعماقى تستدعيها الذاكرة كلما سمعت الكلمة "قئ".
و القصة ببساطة هي أننى عندما كنت في العاشرة من عمري تقريبا و في ليلة من ليالى الصيف الطويلة تناولت عشاءا ثقيلا ثم نمت في الثانية عشر تقريبا لأصحو في الثانية على قئ استمر حتى السابعة صباحا  .. كان الإحساس شاقا جدا ، كنت أشعر و كأنني أتقيأ روحي لا الطعام الذي في معدتي ..كانت التجربة أشبه بالموت و أنا لم أكن وقتها بعد قد أحببت الموت.
أذكر أني في الفجر كنت أبكي من الألم و الضيق من هذا الشعور فقالت لي أمي "صلى الفجر و ادعي ربنا يشفيكي" و فعلت.
 صليت الفجر و دعوت الله ألا أصاب بالقئ في حياتي مرة أخرى أبدا ، كنت أشعر وقتها بأن الله يسمعني و سيستجيب لدعائي حتما حتى جاءت الساعة السابعة صباحا و قد شفيت من الألم و تقبلت معدتي الماء كبداية ثم الليمون.

 و منذ ذلك الحين لم أشعر بهذا الشعور المقزز إلا قريبا ، كنت على مر السنوات منذ ذلك الوقت و أنا أذكر هذه الحادثة بالضيق الذي كنت أشعره وقتها و بالفرج الذي أتى من دعوة لاقت استجابة فورية و سماء كانت "مفتوحة" -كما يقول البعض- وقت الدعاء .. كنت أسترجع اللحظة كلما هممت بدعاء أريده أن يتحقق فورا ..أحيانا كان الأمر يفلح و أحيانا كنت أرجع عدم التحقق لأنني لم أكن أريد الأمر بالشكل الذي أردت به توقف القئ و أحيانا أخرى كنت أرجعه لأن الخير ألا يتحقق ما أريد.
لكني في كل الأحوال كنت أشفق على هؤلاء الذين يصابون بين الحين و الآخر بهذا الداء الوقتى الذي يحول حياتك في لحظات إلى شئ تافه قد تودي به لقمة زائدة أو ملعقة تحمل جرثومة غير مرئية ، كنت أشفق عليهم و أحسد نفسي على المنحة التى أعطيتها في لحظة تضرع صادقة ربما لا تتكرر كثيرا في العمر، و ظننت أن الأمر سيظل على هذا المنوال حتى عاد القئ قريبا.
في حادثة مشابهة منذ شهرين تقريبا ، نمت في درجة حرارة منخفضة فأصيبت معدتي على مايبدو ببرد .. في الصباح شعرت و كأن شيئا ثقيلا يجثم على صدري يصعب على التنفس و تناول الطعام و الماء ، تناسيت الأمر و ذهبت إلى العمل و ما أن جلست في درجة حرارة التكييف حتى شعرت بالقئ مرة أخرى ..

ساعتان مرتا عليّ كالخمس ساعات اللاتى ممرت بهن و أنا في العاشرة من عمري .. ذلك الحمل الذي يقبض الروح و رغبة الجسم في التخلص منه ..شعوري بأن روحي تنفصل عني بقوة داخلية .. ثم راحة في الجسم بعد التخلص من هذا الحمل.
أتناول أحلامي كالطعام .. أتذوقها ..أمضغها بعناية حتى لا تصعب علي ..ثم أهضمها...
بعض الأحلام تترجمه معدة عقلي لخطوات عملية أقوم بها فيكتمل الحلم ، و بعضها يختمر في عقلي ليترسب و يؤثر على باقى الأحلام ، و البعض الآخر يقف بمجرد ابتلاعه ليعيق مسيرة الأحلام .. و من النوع الأخير أمتلك واحدا. 

عن ذلك الحلم الذي يقف عنيدا في منتصف الروح لا هو يتحقق فتهضمه روحي و لا هو يترسب فيترك لي أحلامي الأخرى تستكمل دورتها ..
عن ذلك ال"حلم" الذي تحول إلى مجرد "حمل" تضيق به نفسي و يمنعني من التنفس أحيانا
عن ذلك الحلم العصيّ عن الفهم و عن الهضم و عن الترسب .. دعني أتقيؤك
ربما لو استجمعت قواي للفظك لخف الحمل عن كاهلي ..و ربما أفسحت العقل لاستيعاب أحلام جديدة .. لماذا تقف دائما حائلا دوني و دون الانتصار ؟ 

لماذا تقف كصخرة تتحطم عندها كل الرجاءات و الطموحات .. و لماذا لم أفكر يوما قبل اليوم أن أتقيؤك كما أتقيأ الفاسد من الطعام؟
ربما لم تكن حلما فاسدا و ربما الفاسد هو عقلي عن استيعابك و هضمك بالقدر الكافي لكن الأمر الحتمي كي تستكمل الآمال تحققها أنك لابد و أن تنزع من روحي نزعا حتى و إن كان إحتمال أن تفيض روحي أثناء نزعك قائم ..فما البقاء فيها عاجزة خير من الانسحاب منها في محاولة التحرر..كلاهما مر !

لكن مرارة الحرية على أية حال أشرف من البقاء تحت وطأة القيد المكبل ، لذا دعني أتخلص منك و اذهب إلى هؤلاء العجزة الذين يسخرون من الحالمين ..هم أجدر بك مني و ربما تتحقق لهم بينما أنا غارقة في التخطيط لأحلامي الحقيقية
أيها الحلم ليست هذه أرضك .. و لا هذه الروح سكنك فارحل برفق إن استطعت أو دعني أتضرع إلى ربي في ليلة كليالى الطفولة كي يعطيني فرصة القئ مرة أخيرة أتخلص فيها منك.