٢٠١٠-٠٧-٢٣

خلخال


ذهبي اللون ، دقيق رقيق ، تتدلي منه قطع ذهبية صغيرة تحمل أشكالا مختلفة ، قلوب و أيدي صغيرة و أحجار ، كل ذلك لا يهم المهم هو هذه الساق التى يطوقها في حسن بديع ، المهم هو ذلك الصوت الذي يأتيك من حركته أينما تحركت الساق الملفوف عليها ، صوت لن تستطيع تحديد هويته ، أهو زقزقة عصفور سعيد بطيرانه في الهواء ؟ أم صهيل جواد جامح يركض في الصحراء دون قيود؟ هل هو صوت سعيد كونه هنا في هذا المكان من جسدها وحده؟ وحده يحظي بكل ذل
ك الجمال بل و يزيده ، وحده له الحق في الالتفاف حولها ، في الحديث إليها بصوته العذب ، في مداعبة قدمها دون ضجر، في السير معها أينما ذهبت ، وحده ذلك الصغير يحظى بكل ما تمنيناه ...و لم نمتلكه يوما، أم هو صوت حزين كونه لا يستطيع أن يتحرك إلا في هذا الجزء منها ، لا يستطيع الاقتراب منها أكثر ، فقط يكتفي بما تمنحه له من مسافة للاقتراب ؟
كانت الوحيدة في دفعتنا التى تلبس هذه القطعة الفريدة من الحلي ، الوحيدة التى تمتلك الجرأة أن تسير وسط طرقات الجامعة دون خجل من ذلك الصوت المنبعث من قدمها بفعل هذا الخلخال ، و الوحيدة التى ترى أن هذه حريتها الشخصية .
كثيرا ما انتقدها الزملاء شباب و بنات لكنها لم تهتم يوما بكلامهم ، كانت تعلم في داخلها أن البنات ما هن إلا ضعيفات يغرن من قوتها و الشباب يتمنوا أن تكون لهم و هم رجال نصف جرأتها و شجاعتها في التعبير عن شخصيتها .مع الوقت اعتدنا عليها و أصبح الخلخال سمتها و جزءا من شخصيتها المطبوعة في عقولنا ، لم يعد صوته يجلب لنا القلق و لا شكله يجلب للبنات الغيرة ، فقط هي هكذا ، و نحن هكذا نراها من بعيد نتمنى أن نمتلك ما تمتلك لكننا لا نستطيع.
................................................
في يوم السوبر ماركت ذلك اليوم التعيس بالنسبة لي السعيد بالنسبة لزوجتى و ابنتي كنت أسير بنصف عقل معهما كعادتي ، أفكر تارة في مشاكل العمل التى لا تنتهي و تارات أخرى أفكر في الحال الذي أصبحت عليه، لم أكن يوما شخصا جريئا بالشكل الكافي لكننى كنت أمتلك من الطموحات الكثير ، أمنياتي بأن أكون فنانا تشكيليا حرا تلاشت مع أول عرض مغر من الجامعة للتدريس ، المكانة الاجتماعية التى يعطيها لك لقب " أستاذ بالجامعة" كانت أكثر اغراء على من أن أكون فنان تشكيليا يحمل ألواحه و ألوانه و يهيم على وجهه في الملكوت .
وعود أبي بمساعدتى في الزواج كانت كفيلة بأن تطيح عن فكري أي تصور بأن أسير يوما في طريق آخر غير الطريق المعتاد لأي شاب مثلي ، الوظيفة و البيت و الزوجة طموحات أي شاب عادي كانت أقصى أمنياتي التى حققتها بعد أن تغلب العقل على نزوات القلب.
ها أنذا أسير بعربة نصف ممتلئة بأشياء لا أعتقد أنني أحتاجها و لكنه من الجميل أن تكون في بيتك ، النسكافيه الجولد مشروب لطيف و مرتفع الثمن ، من الجيد أن تتعامل معه حتى و ان كنت تفضل القهوة العادية في غالب الأحيان لكن الجميع الآن يشرب النسكافيه و يفضله "جولد" فلتكن مثلهم حتى لا تحيد عن الركب.
طعام القطة أصبح من ضروريات الحياة ، لم أكن يوما أحب القطط ، لكن الجميع الآن يربي القطط و الكلاب ، شكلها في البيت يعطى انطباعا ما لدي الزائرين و الأصدقاء إذا فلنقتن قطة مادام ذلك سيعطينا وجاهة ما ، و لنتحمل ذلك الصداع الذي ستجلبه لنا زيارات الطبيب البيطري و الأدوية و الأطعمة الخاصة و مسلتزمات النظافة .
استوقفتنى لوحة بالزيت موضوعة على رف في مكان مخصص لديكورات المنازل في السوبر ماركت ، تعلم زوجتى أن هذا هو المكان المفضل بالنسبة لي و تتعمد أن نمر به في بداية دورتنا في السوبر ماركت ، فأنا كالعادة سأقف متفحصا و سيشرد ذهني في اللوحات ثم تستأذنني هي لتلبي طلبات المنزل وحدها دون ازعاجي ثم تعود فتجدني واقفا كما أنا في نفس المكان ، تراها تفعل ذلك من باب الاهتمام أم من أجل أن ترتاح من ثقل ظلي بعض الوقت؟!
في اللوحة كانت تقف امرأة جميلة ، جميلة بحق ، تلبس جلبابا حريرا شفافا يمتلئ بزخارف تشبه زخارف زي البدويات عيناها ساحرتان يبرزهما كحل أسود ، نظرتها وحدها كفيلة بأسر أقسى رجل على وجه الأرض ، تقف بحركة استعراضية و كأنها راقصة في مقهى شعبي تفتن من حولها دون أن تتأثر هي بأي منهم ، يمتلئ جسدها بالحلي و المجوهرات الذهبية اللامعة إلا أن قطعة واحدة تأسر عينيك عندما تراها " الخلخال" .
كان جميلا سميكا ليس كخلخال صديقتى القديمة لكن شيئا مشتركا كان بينهما بين خلخال الأولى و الثانية ، نظرة عينيهما ، قوتهما ، سحرهما ...كلاهما واحد لا يختلفان الكثير
تذكرت أول لوحة رسمتها لها في الجامعة ، لم تكن اللوحة كتلك التى اقف أمامها ، كانت تحمل فقط قدمها و الخلخال الذي تلبسه وهي تقف وسط الحشائش الخضراء ، عندما أهديتها لها لم تقتنع أنني رسمتها لها خصيصا ، كانت تحسبني أستميلها بها فقط ، لكنها بعد ذلك علمت كل شئ ، علمت كيف كانت تأسر قلبي و عقلي ، و علمت أن رسم لوحة لخلخالها هو أقصى ما يصل إليه طموحي في الجرأة.
أذكر أنها من بدأ العلاقة رغم حبي الأكبر لها ، كانت أشجع مني في قولها و فعلها أمام كل الناس ، كان الجميع يحسدني عليها ، أنا نفسي كنت أحسد نفسي عليها في وقت من الأوقات ، أغضب من نفسي و من خوفي معها و ترددي لكننى وقت الاختيار كنت أختار ضعفي متخفيا في عباءة العقل و الاتزان.
لم تدم علاقتنا طويلا كما كان متوقعا ، تركتني كما اجتاحتنى دون مقاومة تذكر مني ، و قبل أن تتركني قالت لي كلمة واحدة أذكرها جيدا " مشكلتك انك زي رجالة كتير مش عارف انت عايز ايه، عايز حياة من غير مواجهة وعايز بحر من غير مخاطرة و كل ده مستحيل مع بعضه ، أما أنا عندي الجرأة أواجه و أخاطر علشان في يوم هوصل للى انا عايزاه" .... فضلت أن أحبها في صمتي عن أن أنجرف في بحر حبها و أواجه العواصف التى ستواجهني .
كنت أكتفي بعدها بأن أعرف أخبارها عن طريق صديقة مشتركة ، بعد التخرج افتتحت معرضها التشكيلي الأول ، خسر المعرض و أغلقته ثم استعادت افتتاحه بعدها مع زميل لنا في الجامعة ، تزوجت و انجبت طفلتين توأم ، ثم طلقت ....تراه لم يتحمل الانجراف في بحر جنونها مثلي؟ تراه كان مثلي ...عاقلا!!
في ركن الكورن فليكس طعامها المفضل كانت تقف ، أعرف وقفتها المميزة ، لازالت كما هي رشيقة أنيقة ، هو أيضا كما هو ، خلخالها مستقر في مكانه كما هو ربما تغير شكله قليلا ، زاد سمكه أو تغيرت الأشكال التى تتدلى منه لكنه سعيد راض في مكانه منها ، كانت تصنع حولها هالة من البهجة هي اسم على مسمى " هالة" تحركت قليلا فأصبحت أقرب مني ، خشيت أن تراني فاستدرت قليلا ، سمعت صوتها تنادي على ابنتيها اللتان كانت تقفان بجوارها : " نغم ...حنين ..ما تبعدوش عني هنجيب الكورن فليكس و بعدين نروح قسم اللعب"
نغم و حنين اسمان مميزان لابد أن يكونا لابنتيها هي أما أنا فابنتى اسمها " هالة" لابد أن يكون هكذا حتى أراها فيها كما تمنيت.
نظرت بعيني للبنتين كانت جميلاتلان مثل أمهما ، أحداهما تلبس الخلخال كأمها و الأخرى لا تلبسه ، لكنهما كانتا تحملان نفس الحرية و الحيوية و الحياة .
عندما تزوجت أخبرت زوجتى بحبي لهذه القطعة الغريبة من الحلي " الخلخال" ، ظلت زوجتى تلبسه بعدها عام كامل ، كنت أعرف أن زوجتى في قرارة نفسها لا تحبه لكنها كانت تلبسه فقط لأنى أحبه ، هو أيضا لم يكن عليها كما كان على هالة ، أخبرت زوجتى بعدها بأنني لم أعد أحب شكله ، لم أعد أراه قطعة جميلة فخلعته ، كنت اشعر اننى امتهن حريتها باجبارها على ارتدائه و لو من أجل هواي الشخصي ، عندما خلعته زوجتى ...ارتحت نفسا .
التفتت هالة فجأة فأصبحت عينيها في مواجهتى وقعت عينها في عيني نظرت لي نظرة امتنان لا أعرف كنهها ربما امتنان لأنني لم أكن يوما رجلها الذي تمنته، فأنا لازلت كما كانت تقول عني "لا أعرف ما أريد" أما هي فتعرف جيدا ما تريد حتى و ان اخفقت كثيرا في الوصول اليه فهي دائما تصل اليه.
اختفت من أمامي في لمحة عين و كأنها لم تكن تقف أمامى منذ لحظة ، ترى أكانت تقف بالفعل أم أننى كنت أتخيلها؟!
" بابا بص جبت ايه" قالتها هالة ابنتى و هي تمسك قطعة ذهبية اللون في يدها ...لم تكن القطعة إلا "خلخالا" نظرت لي زوجتى في ارتباك ثم قالت : " قلتلها بابا مش هيوافق هي اللى شبطت فيه...البنت طالعالك" ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة فأجبتها بصوت خفيض : "سيبيها تختار اللى تحبه....يمكن في يوم تطلع لحد غيرنا"

٢٠١٠-٠٧-١٥

اللى فات مات


و مثلما كان الابتعاد صعبا
أصبح اللقاء كذلك
لكن سيظل في قلب كل منهما احساس بأن الغد يحمل نقطة للإلتقاء
يحمل ضوءا سوف يمحو الظلام الذي سكن قلوبهم بعد الفراق
ستتحدث العيون كثيرا يومها عن الغفران و عن النسيان
و سترسم اليد خطا جديدا على صفحة بيضاء ملساء
بقلم مداده الصبر و سنوات الانتظار
لا يهم هل سيكون هذا اللقاء بداية أم نهاية
كل ما يهم أنه بعد أن ينتهى اللقاء سيتصافحا و في عيونهما كلمة واحدة
"اللى فات مات"