٢٠١٠-٠٤-٢٨

لم تشف بعد



لا أدر ما هذا السر الكامن الذي يعيد المدمن إلى إدمانه بعد أن يظن انه تعافى لسنوات طوال
أهي اللعنة التى تتركها التجربة الأولى داخل نفسه أم أنه قدره المحتم و طريقه الذي خُط له من البداية
الأمر مرهق بحق
أن تحسب نفسك بمعزل عن كل شئ يقربك من نقطة ضعفك الوحيدة ، أن تبحث عن البدائل و تبذل السنوات في اقناع نفسك
لكنك بعد كل العناء و النصب يغلبك الحنين بمجرد نسمة تمر ، بمجرد ذكرى ، بمجرد كلمة
فتدرك انك
لم تشف بعد

٢٠١٠-٠٤-١٨

ملك سابق


بينما كان يفتح فارس باب المنزل و يتسحب بهدوء مجتازا الردهة الصغيرة ليصل المطبخ كانت سوسن تقف كعادتها في المطبخ تطهو الطعام على أنغام الراديو ، منذ أن تزوجا من ثلاثة سنوات تعود أن يأتي من العمل فيجدها تطهو في المطبخ تستمع إلى انغام الراديو و تدندن معه بصوتها العذب لكنه اليوم لم يسمع الراديو و لم يسمع المحطة التى تحبها ، محطة الأغاني القديمة عشقها و عشقه الذي نما معهما طوال خمسة سنوات من الخطبة و الزواج .

تحرك بهدوء من خلفها كي يفاجأها و رائحة الملوخية تتخلل كل حواسه و تفقده القدرة على المقاومة ، وضع يديه بخفة على عينيها بعد أن كانت بالفعل قد شعرت به فقالت له :" حمد الله على السلامة ، جيت بدري عن ميعادك يعني"

- " وحشتينى ، ما صدقت الشغل خف في المكتب شوية استغليت الفرصة و اخدت اذن، ايه رأيك بقى في المفاجأة دي"

- " كويس و الله"

- " أمال بقى لو قلتلك على المفاجأة التانية..."

- " مفاجأة ايه؟"

- " أخدت أجازة أسبوووع بحاله .. أنا عارف يا حبيبتى ان أعصابك كانت تعبانة الفترة اللى فاتت علشان كنت مشغول عنك ما تفتكريش انى مش حاسس بيكي .. علشان كده انا قررت اننا هنقضى الأجازة دي في الساحل الشمالي و كمان هنروح بالعربية علشان نعرف نتفسح براحتنا هناك ،..مش ده اللى كان نفسك فيه من زمان؟"

- "ايوة لكن اسيب بابا و ماما لوحدهم و اسافر .. مش هينفع"

- " ماحنا دايما بنسافر و نسيبهم ايه الجديد؟"

- " لا انت فاجأتني يا فارس و انا مش مجهزة نفسي "

- " هتجهزي ايه يعني؟ الموضوع بسيط هي هدومى و هدومك و كل حاجة هنلاقيها هناك "

- " أنا مش قادرة و بعدين ..."

- - " ما تشغليش بالك انتى انا كمان ياستى اللى هجهز الشنط ، انتى ماعليكي إلا انك تتكرمى و تسمحيلي أنول شرف الترفيه عنك لمدة اسبوع يا مولاتي .. ياللا بقى انا هدخل أغير هدومى على ما تخلصي الاكل لحسن الملوخية ريحتها لا تقاوم"

دخل فارس غرفته فخلع حذائه و جلس على السرير ، شعر بالارهاق فرجع بظهره حتى رقد على السرير و نظر إلى سقف الغرفة الأبيض متخيلا فيه زرقة السماء الصافيه في الساحل الشمالى و نقاء البحر و سوسن زوجته سعيدة مبتهجة بأمنيتها التى تحققت أخيرا .

في اليوم التالى كان فارس قد جهز كل شئ ، سوسن أيضا كانت مستعدة بالرغم من اعتراضها بالأمس إلا أنها كانت قد استسلمت للأمر و قررت أن تنسي كل المشاغل و الهموم لمدة أسبوع قادم مع زوجها ، ركب الاثنين سيارة فارس الفارهة التى تعلو عن الأرض بقدر كبير ، أسلمت سوسن رأسها للوسادة الخلفية في كرسيها بينما اخذ فارس في استعراض مهاراته في القيادة السريعة التى هو محروم منها في شوراع القاهرة الضيقة و أنغام الراديو، تملأ السيارة بأغاني عبد الحليم و أم كلثوم و نجاة الصغيرة و هما يرددان معها في سعادة بالغة .

و بعد ساعة و نصف من السواقة شعر فارس بالارهاق فقرر أن يوقف السيارة ليرتاحا قليلا عندما لاحت له استراحة الطريق الأولى ، كانت الساعة لا تزال التاسعة صباحا و الاستراحة تبدو من بعيد خالية من الناس تماما ، أغلق الراديو و قال لسوسن : " ياللا ننزل نشوف حاجة ناكلها هنا و نريح العربية شوية"

دخل فارس الاستراحة فوجدها خالية تماما من الناس ، مليئة بالطعام الطازج و الشراب إلا أنها خالية بلا أشخاص تماما و كأن البشر تركوها للتو ، تعجب من الأمر ثم نظر لسوسن التى كان قد كسا وجهها القلق و الخوف ، استدارا ليرجعا إلى السيارة فلم يجداها ، صرخت سوسن من هول المفاجأة فأمسك بيدها فارس محاولا طمأنتها رغم فزعه الذي حاول أن يخفيه عنها ، دخلا سويا الاستراحة ليتفقدا ما إذا كان بها أحدهم ، كانت الاستراحة جميلة نظيفة واسعة الحجم بها جزء مخصص للطعام ، و كافيتيريا صغيرة بها جميع التجهيزات ، و في آخر المطعم يظهر سلم من الرخام يؤدي إلى الدور الأعلى ، صعد فارس في توجس و هو لازال ممسكا بيد سوسن التى كاد الخوف أن يقضي عليها فوجدا الطابق العلوي أجمل بكثير من الطابق السفلي ، في الجزء الأيمن جناح للنوم و كأنه قد خصص لملك من الملوك أو الأمراء بابه مفتوح على مصراعيه و يظهر منه سرير وثير ذو أعمدة مرصعة بالحليات الذهبية أما الجزء الأيسر فعبارة عن فراغ يشبه البهو في قصور العصر العثماني ، كان كبير وواسع عبارة عن مصاطب منحوتة في الحائط ككراسي عليها وسائد وثيرة و في وسطها نافورة مزخرفة من الفسيفساء ، أخذ فارس في التجول في أبهاء الطابق العلوي منبهرا و كأنه قد نسي أنه غريب في هذا المكان .

جلس على الأرائك الوثيرة قائلا لسوسن :" الله ..شايفة قد ايه جميلة، يا ترى الاستراحة دي بتاعت مين"

- " هو ده اللى يهمك دلوقتى شوف احنا هنروح ازاي"

- " و نروح ليه ؟ مانخلينا قاعدين هنا، كل شئ نحتاجه موجود "

- "نعم ، انت اتجننت"

- " اتجننت ليه ، واضح ان المكان ده مالوش اصحاب ، أو اصحابه سايبينه من زمان ، احنا نقضي فيه الاجازة و بعدين نرجع، كل حاجة موجودة"

- " لا انت اكيد اتجننت ، ما تقوم تشوف العربية راحت فين"

- " هه العربية .. أه صحيح"

نظر من نافذة الغرفة فوجد السيارة تقف في مكانها فأشار اليها قائلا :" العربية اهي في مكانها ، احنا نقضي الاجازة هنا و بعدين نرجع "

- " قضيها لوحدك أنا هرجع " قالتها سوسن مسرعة على السلم

أسرع ورائها فارس قائلا : - مش هو ده اللى كنا متعاهدين عليه ، كنتى بتقوليلي هبقى معاك طول العمر ، و كنتى بتقوليلى المهم نبقى مع بعض"

كان يقولها و هو يسرع بالخطوات كي يلحقها إلا أن خطواتها كانت أسرع ركبت السيارة بسرعة و في لحظة كانت قد اختفت من أمامه

- " فارس ..فارس .. قوم الأكل جهز"

أفاق فارس من نومه فنظر للمرآة المثبتة على الدولاب أمامه ، نظر لجسده الممدد على السرير و كأنه يتأكد بأن ما رآه كان حلما بالفعل ، ثم حمد ربه في سره و قام متثاقلا إلى غرفة الطعام

- ياااه أنا شفت حلم غريب قوي الحمد لله انه مش حقيقة

- فارس .. أنا عايزة اتكلم معاك في موضوع

- خير يا حبيبتي

- أنا كنت عند الدكتور النهاردة

أطرق فارس بوجهه متظاهرا بالانشغال بالطعام ثم قال لها :

- ألف سلامة عليكي ، عارفة حلمت بايه؟

- ده رابع دكتور يقول ان العيب مش مني

- حلمت ان فيه ملك و ملكة لقوا قصر في الصحرا و قرروا يعيشوا فيه

- فارس انت عارف ماما و بابا انا بنتهم الوحيدة .. و من حقهم يبقوا جد وجدة

- بس الملكة ما قدرتش تستحمل ..سابت الملك و القصر في الصحرا .. لوحدهم