٢٠٢٣-١١-١٩

نكبة

 


مع كل فيلم وثائقي وكل كتاب أو قصاصة أطالعها عن تاريخ النكب.ة والاحت.لال هذه الأيام أشعر وكأنني أسمع القصة من جديد، أنا العربية المصرية التي ربيت على القضية منذ الصغر، أنا التي عندما ذهبت لميدان التحر*ير في الحادي عشر من فبراير كتبت على صفحتي "فلسtين انتظرينا إنا قادمون.. قريبا قادمون" يملؤني شعور بالصدمة في كل مرة، كيف غفلنا عن كل هذا؟! كيف تعايشنا مع الظلم السافر وكأنه روتين يومي؟!

كيف ملأنا الحكأم بشعارات التنديد دون أن يحرك أحدهم إصبعا لرفع الظلم؟!
كيف تواطئنا بالصمت حكومات وشعوب حتى وصلنا إلى هنا!!
أشاهد فيلما صوره الإسر9اءيليون أنفسهم عن شهادات المذا؛بح وأتعجب كيف احتملت الأرض المباركة كل هذه الدما*ء؟! وكم يكفيها كي تشبع؟!
حتى البكاء أصبح رد فعل هزلي، استبدله الجسد بشعور الغثيان.. غثيان يصحبني في كل لحظة ومع كل جديد، مع ممارسة الحياة العادية في الشوارع، مع أحاديث مثل "فلنفعل ما هو متاح في أيدينا" "إنهم صامدون جدا ما أروعهم!" "لابد أن يسمح لنا العدو بكذا.. "
هراء يدعو للغثيان وتاريخ طويل من أشعار الفخر بالعزة والمروءة وإغاثة الملهوف يتهاوى أمام عيني، تماما كما تهاوت شعارات الحضارة أمام المواطن الأبيض الصالح المدلل المغيب في باريس.. لا فرق بيننا يا عزيزي,, جميعنا مقهورين أذلاء مرتاعين بدرجات مختلفة من التنعم بالجهل.
فليسقط العالم علينا أو يأتينا النيزك المزعوم .. فنحن حقاً أهله!

٢٠٢٣-٠٩-٠١


 

تصفعك الحياة كل يوم صفعة جديدة، وتفاجئك بحلوى في فمك لم تطلبها!

تقول لها: "أريد كوكبا" فتخبرك بأنه طلب شديد المحال، تتضرع لها وتفاوضها، تقول لك: ستتألم، فتقول أنت: سأتحمل
تقول لك: ستمل، فتقول أنت: سأصبر
تركض مسرعا حتى لا يفوتك رزقك من الوعد، يخونك الصبر أحيانا وتخدعك قواك، تسقط مغشيا عليك في صحراء الحلم!
تفيق على حلمك الذي قالت لك الحياة يوما أنه محال؛ متاحا في يد الجميع إلاك!
أنت وحدك المتأخر عن كل هؤلاء، الكل أتى قبلك وظفر بقطعة من الكوكب الموعود وتركوك هناك في الصحراء، ربما ظنوا أنك ميت مثل عُزير.
لكن عُزير أحياه الله كي يريه قدرته على إحياء الموتى، فهل تحيا روحك الهالكة منذ سنوات مرة أخرى لترى المعجزة؟ أم أن عناد الحياة أبدي على من هم مثلك!

٢٠٢٣-٠٨-٠٢

لعله قريب




لازالت تلك الغصة تعتصر القلب كلما مرت نسمة رائقة زائفة في الهواء
لازالت تلك الكذبة تحاصر الصدق وتأتيه من العدم، مثل شيطان ساخط يترصد لآدم كي يخرجه من الجنة بحيلة خائبة.
لازال قلبي كآدم؛ ينسى.. ولا يملك عزما
تغويه الشجرة المسمومة ويفيق على شقاء العقوبة
لكنه أيضا مثل آدم، يفتح ذراعيه للاجتباء، يتلمس الهدى وإن سقط من علِِ
يتطلع إلى يوم لا يضل فيه ولا يشقى
لعله قريب!

٢٠٢٣-٠٦-٠٩

احتضان قنفذ

 


مثل احتضان القنفذ تكون بعض التجارب.

تظن أن الألم يكون في البداية فقط، عند لمس جسدك للشوك ثم تعتاد، وما إن تدرك حتمية التفرق حتى يأتي نزع الروح زفرة زفرة مع كل شوكة تنزع منك.
هكذا الانفصال عن جسد القنفذ فما بالك بأخوية وتجاويف تصل إلى روحك قد حفرت بأماكن الشوك!
أقولها ناصحة لكم: لا تحتضنوا القنفذ، مهما وصلت درجة الإشفاق عليه، ومهما كان الأمر شاعريا في البداية، أن تحنو على هذا الكائن الذي ينفر منه الجميع حتى لا تساهم في كسره.
للقنافذ حيلها الدفاعية وطرقها للنجاة من أشواكها، علمتها حياتها في الغابات والأدغال، وأجسادها التي تتغذى على الزواحف والفئران طباع الحذر والغدر والتحايل واستعطاف السذج من الزائرين.
أما نحن أبناء المدينة التائهين، نتوق لمن يجدنا، نبادر بلهفة لغوث السائلين عسى أن يرد لنا الصاع في تيه الحضر، نضعف أمام عينيه الصغيرتين الغائرتين، يصغر حجمنا أمامه حتى لا نجرح وهنه، يفتننا ألمه حتى نسرع لاحتضانه غير مبالين بالعواقب.
أذكركم يا إخواني، لا أمان لقنفذ في رحلات النزهة، فليس ثمة عودة من طريق التجربة وليس ثمة التئام لثلم الروح.

٢٠١٩-١١-٠٢

يعني ايه حرية؟


الكلام ده مجرد فضفضة مالهاش لازمة غير إني أطلع طاقة ضيق من شيء ما وعلشان أفكر نفسي أتناقش فيه مع اللي يحب يشترك في المناقشة لما أكون مستعدة ليها،
ايه هي حدود حرية الإنسان؟ مطلقة ولا مقيدة؟ وأنا هنا مش باتكلم خالص لا في المعتقدات ولا في الشكل أكيد ولا في الاختيارات الشكلية، أنا باتكلم عن الاختيارات اللي ممكن تؤدي بيه للهلاك المادي أو المعنوي، يعني لو فيه ناس بتقول الإنسان حر في اختيار حياته أو موته، هل لو اللي حواليه شايفينه رايح لسكة الانتحار وسايبينه لأنهم مش عاوزين يتدخلوا في حريته هما كده صح ولا غلط؟
طيب بلاش الانتحار، الوحدة والأفكار المؤدية حتما للجنون، هل من حق محبيه إنهم يمنعوه بالقوة عن مصير صعب هما شايفينه وهو مش شايفه؟
طيب نفس الناس دي شايفين إننا لازم نتخذ إجراءات مع مدمري البيئة والدول اللي انبعاثات الكربون بتاعها مدمرة الكوكب، لو بعض المنظمات اتخذت إجراءات رادعة معاهم تبقى بتتعدى على الحرية؟
فيه حد هيقولي دي مش حرية شخصية دي حرية عامة، وأنا موافقة على النقطة دي لكن هل الحرية العامة دي مش مكونة من ناتج حريات أفراد مجتمعين؟
يعني لو احنا كمجتمع سبنا وحش الاكتئاب كل يوم يخطف مننا شخص هل ساعتها هيكون فيه حرية شخصية وحرية عامة؟ ولا الحرية الشخصية هتتلاشى أمام المصلحة العامة؟ وبالمثل على كل الأمثلة
الكلام مش منتظم وأنا قاصدة أسيبه كده لغاية ما أقدر أتناقش فيه مع اللي يحب.
ياريت لو حد عنده اقتراحات لكتب أو أفلام اتكلمت في النقطة دي يفيدني بيها.

٢٠١٥-١٢-١٥

خمسة أشياء لن تحظى بهم هيزيل جريس المصرية



هيزيل جريس ،بطلة فيلم "الخطأ في نجومنا" ، فتاة أمريكية في الثامنة عشر من عمرها مصابة بسرطان الرئة منذ أن كان عمرها ثلاثة عشر عاماً تتعرف على حبها الأول أوجستس في جلسة لدعم مرضى السرطان فهو أيضا مريض بالسرطان و قد فقد إحدى قدميه نتيجة لذلك ، يعيش الاثنان قصة حب مختلفة مغلفة بالألم و لكنها ناضجة نضوج المدركين لأن كل يوم يعيشانه سويا قد لا يتكرر، فبرغم جهاز التنفس الذي تتحرك به هيزيل و الساق الصناعية لأوجستس فإنهما قد اتخذا قرارهما بالاستمتاع بالحياة.
يفاجئ أوجستس هيزيل بأنه قد رتب لهما رحلة لأمستردام حتى تلتقي بكاتبها المفضل الذي كانت تتمنى مقابلته لتناقشه في روايته الأخيرة و ينجح الشابان في التغلب على الصعاب التي قد تواجهها هيزيل نظرا لحالتها الصحية ليجدا في أمستردام العديد من المفاجأت التي تغير وجهة نظر هيزيل في كثير من الأمور.
و بنظرة أبعد من قصة الفيلم دعنا نتخيل ماذا لو كانت هيزيل جريس مصرية أو على الأقل تعيش في مصر؟ ما هي المعوقات التي قد تحيد القصة الأصلية للفيلم عن مسارها تماماً :
  1. هيزيل المصرية لن تستطيع الإنتقال بحرية بجهاز التنفس :
في أحداث الفيلم كانت هيزيل تتحرك بحرية بجهاز التنفس الذي تحمله على ظهرها أو تجره بيدها موصل بأنفها ، هل لك أن تتخيل كم المضايقات التي قد تتعرض لها فتاة مصرية بهذا العائق في وسائل المواصلات العامة التى لا تنجو الفتاة الصحيحة فيها من تحرش أو مضايقات لفظية على أقل تقدير ، و إن نجت من المضايقات هل ستنجو من نظرات الفضول و أسئلة الناظرين؟ لا أظن.
  1. لن يسمح لها بالتعرف على أوجستس من الأساس :
بالطبع أقدر خوف كل أم على ابنتها من أن يكسر قلبها شاب مستهتر خاصة لو كانت هشة صغيرة يضعفها المرض ، و لكن أم هيزيل الأمريكية كانت من النضوج أنها رحبت بتعارف ابنتها على شاب مادام الأمر سيكون تحت أنظارها هي و والدها خاصة أن أوجستس كان مريضاً أيضاً مما يجعل التفاهم بينهما أمر غير معقد.
  1. لن تتمكن من الحصول على الموافقة على السفر من فريقها الطبي:
حسناً ، دعنا نفترض أن لهيزيل المصرية فريق طبي قد يكرس من وقته الثمين اجتماعا لبحث إمكانية سفر هيزيل المريضة بسرطان في مرحلة متقدمة رحلة هدفها الاستمتاع فقط ، هل هذا متاح في مصر؟ مع تردي أوضاع الأطباء الذين يلهثون ليلحقوا بركب الحياة الذي لا يرحم من ناحية و بين إنقاذ أرواح ملايين المرضى وسط أجواء اقتصادية و إدارية و تنظيمية هي الأسوأ بجدارة؟ أترك الإجابة لك.
 4-البيروقراطية و الشئون الإدارية و أشياء من هذا القبيل :
فعلتها هيزيل و تحققت كل المعجزات السابقة و ها هي الآن في مطار القاهرة متجهة إلى أمستردام ، و لكن شيئا ما بالتأكيد سيعيقها ألا و هو الخوف و الإجراءات المشددة على الطيران ، فجهاز الأكسجين الذي تحمله بالطبع ممنوع على متن الطائرة و لا توجد بدائل و مظفوا شركات الطيران لا يملكون من الصلاحيات ما يجعلهم يتخذوا القرار أو يتحملوا تبعاته ، سيصعد الأمر إلى المديرين إن وجدوا في أماكنهم و لكن العثور عليهم و اقتناص موافقاتهم سوف يضطر الطائرة لأن تقلع بدونها بالتأكيد.
5 –لن يتمكن ذووها من تلقي الدعم النفسي اللازم :
في مشهد من المشاهد الرئيسية في الفيلم كانت هيزيل الأمريكية تعبر لأمها عن سبب خوفها الأكبر من الموت و هو أن يسبب ذلك فقدان أمها للرغبة في الحياة و فقدها للقب الأم للأبد ، لكن أمها تفاجئها بجوابها أن فقدانها سوف يكون مؤلما كالجحيم لكنها تعرف جيداً –لأنها مرت بألم السرطان – أن الإنسان يستطيع العيش مع الألم .
كانت هذه واحدة من أقوى  الدروس التى يعلمنا إياها الفيلم و هي أن الفقد لا يفترض أن يوقف حياة الأحياء مهما كان عظيماً و مؤلماً ، لكن والدة هيزيل لم تكن تفكر بهذا المنطق من قبل ما جعل هيزيل تتعجب لتعرف بعدها أن أمها تتلقى دروساً للدعم النفسي الخاص بأهالي مرضى السرطان.
في مصر يتلقى بعض مرضى السرطان -ميسوري الحال فقط- جلسات للدعم النفسي لتخطي الألم و التغيرات المصاحبة لمراحل العلاج ، لكن رفاهية تلقى جلسات الدعم النفسي لأهالي المرضى لم تعرف طريقها إلى مصر بعد مما يزيد آلام هيزيل المصرية و نظرائها ممن يمرون بهذا الاختبار الصعب ، فمن المعروف أن هذا المرض يعوزه بالأساس قوة داخلية و إصراراً نابعاً من داخل متلقي العلاج و هو أمر يزداد صعوبة كلما كان الجو الأسري المحيط ملئ بالحزن و الإنهزام النفسي و الأفكار السلبية.
و أخيراً ،أتمنى لكل أشباه هيزيل ممن يحاربون هذا المرض الصعب انتصاراً ساحقاً في أي بقعة من بقاع الأرض و لكن بلدانا بعينها تحتاج إلى ما هو أكثر من الدعاء، تحتاج معجزات لا تصنعها الملائكة بل يصنعها العلم و العمل و الإرادة في تخفيف آلام المحاربين.

٢٠١٥-١٠-٢٥

يا أبي.. كتابك الضخم لازال في موضعه



في فترة أوج التدوين عندما كنا عددا محدودا يكاد يعرف بعضه بالعدد ، كانت هناك تلك الصديقة المدونة التي لا تكتب إلا عن أبيها الراحل ، أحببته من خلال كتابتها عنه ، كنت أقول لنفسي أنه لابد رجل صالح أن تأثرت به ابنته هذا التأثر البالغ الذي يجعلها لا تكتب إلا عنه ، كنت أتابعها بالشهور لا تمل من الحديث عن أبيها و نوادر أبيها و مواقفه ، كانت تربط كل حدث في الحياة به إما 
حاضرا أو ماضي،.

و لكني بعد فترة من المتابعة كنت أتسائل بيني و بين نفسي هل هذه ميزة أم عيب؟ ألا يرى الأبناء الحياة إلا من خلال آباءهم حتى و إن كانوا عظماء فمن المفترض أن لكل حياته و طريقته  و أسلوبه المتفرد ، لا اخفى أنني كنت أحيانا كثيرة أشفق عليها من هذا الحبس الذي تجلس فيه مستمتعة و مصبرة نفسها عن فراقه بالحديث عنه و لكن حياتها تضيع في المقابل دون أن تعيش تجربتها الخاصة بها وحدها.

و مات أبي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ثم أدركت ما كانت هي فيه ، حقا لا يعرف الشوق إلا من يكابده.

قد كنت من قبل أنكر عليها هذا التوحد فغرقت فيه أنا ، فهأنذا لا أنام إلا في سريرك يا أبي منذ رحلت و هأنذا لا أعرف للحديث طعما إلا إذا عرجت فيه على سيرتك و هأنذا أتلمس مواضع أقدامك في كل ما أخطو.
و كأن روحك لم تكن روحا واحدة و إنما أربعين روحا، أحدهما تتجول بين عقلي و قلبي و روحي ، تملي على الأفعال و الأقول  و تغذيني بالخيارات  التي لم تكن لتبخل علي بها إن كنت معي ،  و روحا أخرى تتجول في ملكوت الله و أرواحا أخري كثيرة تزور أحبابك و تلاميذك الذين علمتهم الكثير ترشدهم و تطمئن قلوبهم ليطمئنونا.

و لكن وخزا آخر في الضمير لا يلبث يتركني حتى يعود ، فأنا لست أنت و لن أستطيع ، صحيح أن حياتك تلهمني و لكن هيهات لي أن أصل إلى جزء ضئيل من إخلاصك و  تفانيك فيما تحب ،.
فهل تشفع لي يا أبي رشفاتي من عطر ملابسك الذي لم يغادرها و التي لازالت معلقة من يومها حتى الآن أنفض عنها الغبار كلما أتاها و أتنسم  عطرها فأجده كما هو و كأنك تؤكد وجودك و تنفي غيابك المزعوم!
و هل تشفع لي كتبك الضخمة التي أصبحت أقرؤها مستعيضة بها عن كتبي البسيطة الرقيقة؟ هل يشفع لي إصراري أن أضعها بجوار السرير تماما كما كنت تفعل حتى لا أغير كثيرا في ترتيب غرفتك؟ و هل يمحو ذلك اضطراري لأن يمتلأ الكومودينو الخاص بك بتوك الشعر و سلوك شواحن الموبايل عوضا عن أقلامك الثمينة و دفاترك القيمة؟!
أعرف أن هذه الأشياء تبدو تافهة بالنسبة لك و لكنها أحيانا تقض مضجعي عندما أفكر فيك .. هل يرضيك هذا أم أنك ترى الأمر على نحو أفضل؟

أدرك أن الأمر مربك لمن يحيطون بي أو على الأقل مثير للتساؤل: متى ستخرج من هذه الحالة و تتحدث أو تكتب عن أشياء أخرى ! لكن الأمر لا يقاس بهذا الشكل ، فالتجربة الحقيقية هي انكسار القلب،  و انكسار القلب لا نشفى منه متى أردنا و لن نشفى منه أبدا و إنما تتشكل به أرواحنا من جديد فتفرز صورا أخرى منا ، ربما في عمل أو كتابة أو أي إسهام في الحياة و لكنه بطعم التجربة.. و أنا لن أتعجل هذا التشكل لروحي مادمت يا أبي هنا تطمئن روحي و تخطو بها إلى المستقبل بقلب يحمل الماضي بكل ما فيه من ثراء.
أما عن صديقتي ، فهي الآن في بلد آخر ، قد أكسبتها تجارب الحياة ثقلا في تجربتها جعلتها تواجه الموت مرات عديدة دون خوف .. ربما لو لم تكن قد واجهته في موت أبيها لما كانت بهذا الثبات الآن.

آية علم الدين

٢٠١٥-٠٥-١٥

إنها الثالثة و الثلاثون ، و لكننا لم نكتمل!

كانت إحدى ليالي رمضان عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري تقريباَ ، ليلة من تلك الليالي التي يختارها أبي من ضمن ليالي رمضان ليصلي معنا التراويح في البيت أنا و أمي و أختي و في الإستراحة بين الأربعة ركعات الأولى  و الأربعة الأخيرة يطلب مني أن أحضر كتاب رياض الصالحين و أفتحه على أي حديث و أقرأه حتى يشرحه لنا و يسهب في موضوعه ، كان الحديث عن العجوز التي أتت للرسول صلى الله عليه و سلم تسأله أن يدعو لها لتكون من أهل الجنة فمازحها الرسول صلى الله عليه و سلم قائلا "لا يدخل الجنة عجوز" فبكت العجوز ثم أخبر أصحابه عليه الصلاة و السلام أن يخبروها بأنها ليست يومئذ عجوز ، إنها يومئذ شابة ، إن الله عز و جل يقول : "إنُّاأنشأناهن إنشاءً"
فسألت أبي: كم يكون عمرنا في الجنة؟
أبي: 33 سنة
أنا : لماذا؟
أبي: لأنه عمر سيدنا عيسى عليه السلام عندمارفع .
لم أفهم وقتها تحديدا لم ثلاثة و ثلاثين بالذات و لماذا ليست خمسة و ثلاثين مثلا أو خمسة و عشرين؟ لكن ما كان يهمني حقا وقتها هو هل سأعيش حتى أتمم هذا العمر الذي ظننته وقتها كبير؟ و كيف سيكون حالي وقتها؟
حسناَ .. اليوم أتم عامي الثالث و الثلاثين !
يقول مفسر : أن هذا العمر فيه مِن الحكمة مالا يخفى؛ فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذَّات؛ لأنه أكمل سن القوة.
و يقول آخر : إنه من أفضل سنيِّ عمر الإنسان في القوة والنضارة وغيرها؛ مما هو مَظان التمتع بالحياة، وبلا شك كلُّ هذا له مردودٌ مباشرٌ في سعادة الإنسان.
و أقول أنا : كلام مفسرين مالناش دعوة بيه.
اليوم أتم عامي الثالث و الثلاثين .. أقل دهشة و أقل قدرة على التكيف مع مستجدات الحياة ، يقولون هو سن الإكتمال و أعلم أنه لكل شئ إذا ما تم نقصان فهل أنتظر نقصاناَ لما لم يكتمل بعد؟!
لم تكتمل السعادة كما يقولون و لا أظنها تكتمل في هذه الدنيا ، و هذه القدرة التى يتحدث عنها المحللون –إن وجدت- فهي كالإدراك ليس فيها أي نبل و هي لا تعني الوصول ، فما الذي يعنيه أنني أستطيع صعود الجبل خلال ثماني ساعات إن مرت الأربع ساعات الأولى بي أحاول أن أعرف بداية طريقالصعود ؟ فما بالك إذا كنت أحيانا لا أعرف إن كنت بدأت حقاً من البداية الصحيحة له أم لا!
لو كنا في زمن آخر و ظروف و بلاد أخرى لكنا في هذا العمر نشد أوتاد خيامنا فوق الجبل استعداداً لاستقبال عمر النبوة الذي قارب ، لكُنًّا على الأقل في منتصف الطريق و لكننا نعرف وجهتنا و نراها رؤيا العين لا يفصلنا عنهاغير خطوات تتناسب أعدادها مع صعود عزائمنا و هبوطها ، أما و أننا في بلاد قدر لها أن تعيش في دائرة التيه فلابد لمساراتنا أن تتخذ شكل المتاهات تكيفاً.

أشعر أنّي و جيلي و مسارات حياتنا الشخصية ونجاحاتنا حقاً نشبه ثورتنا التي لم تكتمل ، فلا هي بالتي تحققت تحققاً يغيظ العدا ولا هي بالتي ماتت و انخمدت أوراها في قلوبنا .. هذه الثورة التي لم تكتمل هي حمل تنوء به كواهلنا فلا نستطيع نفضه عنا و لا التنصل منه و لا نستطيع الاستمرار في حياتنا و هو واقف بيننا و بين طَرقِ أبواب الحياة الأخرى.
كذا أحلامنا الشخصية البسيطة ، من حقق جزءاً منها يساوره الشك أحياناً كثيرة في جدوى ما حقق للبشرية بحلمه الصغير ، عن مدى إخلاصه للقضية و عن جدوى القضية نفسها !
يقول أبي في الدعاء : "اللهم اجعلنا من عبادك الأتقياء الأنقياء الأخفياء"
فنردد : "آمين"
أتعجب من هذه "الأخفياء" التي يصر دائماً عليها في دعائه ، و لم نخفي أعمالنا إن كانت صالحة؟ و ما الضير أن تكون في العلن فنكثر بها سواد الصلاح في الدنيا .. فيرد الصوت داخلي :" لأن الأعمال بالنيات و لأن النية إن خالطت شهوة الشهرة فسدت" فأدعو الله ألا يكون هذامصير أحلامنا التي لا زالت في أرحام النوايا.
عاش أبي –رحمه الله- من العمر سبعة و ستين عاماً ، و رغم أنه تقاعد سبعة أعوام تقريباً إلا أنه لم يذق هذه الراحة التي ينعم بها المتقاعدون ، لم أره يوماً إلا منشغلاً بشئ حتى الثمالة ، إما سعياً على مصالحنا أو عبادة أو قراءة أو بحثا نهماً.. لا يكل ، كنت أتشوق لهذا اليوم الذي تحلم به أمي أن يطمئنا علينا ثم يذهبا لرحلة العمرة كل عام سوياَ ، و لكن الله قدرله أن ينجز رسالته في الدنيا ثم ينتقل إلى جوار الصالحين ممن أحبهم و تشوق لرؤياهم، لم ير ثمرة زرعه و لم يجف عرقه حتى يستوفي حقه في الدنيا ، قد آثر و أوثر له أن يأخذ حقه كاملاَ في الآخرة.
ربما يعوزنا من العمر أضعافا مما عشناه لكي نكتمل فنصل لثلاثة و ثلاثين تصلحنا لدخول الجنة –برحمة الله لا بأعمالنا- ، و ربما لا تتفهم بشريتي أن نكون جميعاً أنا و جدتي التي لم أرها قط و لكني أتوق لأن أراها في الجنة و أتعجب كيف سأشعر أنها جدتي و هي في نفس عمري وقتها الحكمة من هذا العمر تحديداً ، و ربما لست راضية عن نفسي تمام الرضا الآن حتى أتصورني في الجنة –إن شاء الله- كما أنا الآن و لكني أدرك أنني لن أموت حتى  أستوفي رزقي كاملاً من الفرص.
فيكفينا من الحياة أننا نفضل الموت في الطريق كما مات أباؤنا على أن نموت قبل الموت بالتقاعد ، و يكفينا من الحياة أننا من هؤلاء القلقين المثابرين و إن تكبدوا منها النوازل ، و يكفينا من الثورة أنها لم تكن في حياتنا نزوة نتراجع عنها و إنما طريقاً نسلكه على أنفسنا أولاً و إن ضاقت دروبه بنا حد الاختناق.
فالحمد لله على ما انقضى ، و الله المستعان على ما هو آت.


آية علم الدين
13/5/2015

٢٠١٥-٠١-١٤

عن إجابة سؤال أبي "هي الدنيا فيها كام مزبلة؟"



-أسير مع أبي في ميدان لا أعرف اسمه فلم أكن بعد وقتها قد أتممت عامي الثاني عشر ، يسألني أبي ممتحناً : "ده ميدان ايه يا آية؟"
أنا - "أحمد حلمي؟"
أبي- "غلط ده ميدان العتبة .. آية .. هي الدنيا فيها كام مزبلة؟"
لم أعتد من أبي هذه التعبيرات الصادمة ، فدائما كان يختار من القول أحسنه و أبلغه فقد كان معلماً ناجحاً للغة العربية محباً لها ، لذا أجبته بسؤالي : "و أنا ليه أعد فيها كام مزبلة؟ ما أعد الجناين اللى فيها أحسن؟"
يجيبني أبي :"مش هتعرفي فيها كام جنينة غير لما تعرفي فيها كام مزبلة.. هي دي الدنيا .. أنا مش عاوزك تبقى ساذجة"

أجل كان يحدثني أبي بهذه اللغة منذ كنت صغيرة ، لغة الصديق الناصح أحياناً و المستشير أحياناً أخرى ، لم أشعر يوماً أنه يستهين بعقلي الصغير بل كان على صغر أعمارنا يجمعنا فيستشيرنا في أمور البيت و أحيانا في أمور عمله أو علاقاته بالناس ، كان أبي يحضر في كل التفاصيل و يحضرنا معه.

-في إحدى سنوات المرحلة الإعدادية كانت تدرسني اللغة العربية معلمة مشهورة باستغلال الطلبة لإعطائهم الدروس الخصوصية ، كانت تهدد بعض الفتيات بالرسوب إذا لم يأخذوا معها دروسا خصوصية و قد مارست هذا الأمر مع إحدى صديقاتي ، طلبتُ من صديقتي أن تبلغ الإدارة فخافت فما كان مني -حيث كنت وقتها رئيسة الفصل- إلا أن توجهت بالشكوى للإدارة على مرأي و مسمع من الفصل كله و به بعض الفتيات التابعات لها ، طلبت المديرة شهادة بعض الفتيات فخفن فأخبرتهن المديرة بأنها مستعدة لسماع شكواهن منفردات في مكتبها .. عندما حكيت الأمر لأمي خافت علي خوف الأم من مدرسة بلا ضمير قد تترصدني بالمضايقات طوال العام -وقد حدث- و لكن أبي كان له رأي آخر .. كان فخورا بما فعلته مشجعا ، أخذ يحذرني مما قد تفعله هذه المدرسة و يخطط لي كيف سأتصرف عندما يفتح التحقيق في الأمر ، كنت أرى في عينيه لمعة الفخر بابنته "البريئة" كيف أصبحت تضع نفسها في المآزق دفاعا عن المباديْ التى رباها عليها .

-يقول أبي عندما يُسأل لماذا لم يسافر للإعارة كجميع المدرسين إلا مرة واحدة أصر أن نصطحبه فيها و نحن صغار جداً: أنا عاوزكو تتربوا هنا مش عاوز فلوس ..إنتو استثماري في الحياة...فأدعوا الله أن يبارك في غرسك حتى تنال ثوابه مضاعفاَ يا أبي.

- في عام 2008 عرضت علي فرصة للسفر إلى إحدى الدول العربية ، لم يكن الأمر في تخطيطي لكن إصرار بعض المقربين وضعني في حيرة من أمرى ، كان أبي يثق في قراراتي بشكل كبير ، شكل كان يشعرني بعظم المسئولية بل و ثقل حملها أحيانا، لم يكن بالمفتش الخانق و لا بالمفرط اللا مبالي ، بلا على عكس الاثنين ..كان يثق في علاقة الصداقة التي بناها معنا منذ الصغر فيحترم مساحاتنا الخاصة وقت الرغبة في الإعتماد على النفس و يمنحنا إصغاءه و قلبه و اهتمامه عندما نأتيه طالبين المشورة .
لم يعطني أبي رأيه مباشرة فقد كان يعرف أني سأنفذ ماسيقول أيا كان و هو لا يريد مني ذلك ، أجابني ببساطة : إنتى تقدري تنفذي أحلامك هنا أو هناك لكن قارني و شوفي ايه اللى ممكن يضيف لك خبرة أكتر ..يمكن يكون السفر علشان تعرفي الدنيا فيها كام مزبلة و يمكن يكون استكمال اللى بدأتيه هنا... فاخترت إحصاء مزابل الدنيا بالسفر لعل التجربة تكشف أفاقا جديدة ، وافقت أمي على مضض بعد أن أقنعتها و اتفقت معها ألا نُصَعِب لحظة الوداع بدموع الفراق .. استطعنا أنا و أمي أن نكبح جماح دموعنا لكن أبي فاجئني عندما لم يستطع !!

هكذا كان ..حنوناً مربياً لا ينفصل حنانه الجم عن رغبته في تربيتنا ناجحين.


- تخبرني صديقتي بأنها تريد الإستقلال عن عائلتها لإحساسها بالإختناق من الحياة معهم، أفاجأ بتخطيطها المحكم للأمر :"مرتبي يكفيني جدا ، و هازورهم كل ويك إند .. إفرضي إني متجوزة مانا كنت هاعمل كده بس الفرق إن كان هيبقى فيه واحد بيتحكم فيه بدالهم ، أنا خلاص كبرت .. ماتخافيش مش هانحرف ..ماهي النظرة دي اللى مخلياني مش عارفة أنفذ اللى مقتنعة بيه كل الناس هتفتكرني بوظت محدش هيصدق إنها مجرد رغبة في الحرية بعيد عن التحكمات الفارغة"

أتأمل كلامها .. لم أفكر يوما أن أفعل مثلها و إن عرض على الأمر ما فعلت .. لم أشعر يوماً من أبي بذلك الإختناق الذي تشعر به صديقاتي من آبائهن .. يظن الآباء أن بناتهم ستظل على احتمالهن للتحكم أبد العمر ، لكن أمورا أعقد تتكون في عقولهن إذا لم يكن الأساس هو الصداقة و الثقة غير المفرطين...أحمد الله على أب كفاني به الله تجارب صديقاتي المؤلمة مع التحكم أحيانا و الإهمال أحيانا أخرى.

- يقول لي أبي عندما يراني منهمكة في عمل ما : "يا سلام عليكي يا آية لما بتخلصي" ..يصر دائما على استخدام كلمة "إخلاص" بديلا عن كل مرادفاتها لسبب لم أكن أعرفه إلا بعد وفاته .. كانت حياته كلها ملخصها "الإخلاص" ..في العمل ، في تربيتنا ، في علاقته بربه ، في دموعه التي تغالبه عندما يتكلم عن النبي صلى الله عليه و سلم ..في كل شئ كان يشع إخلاصاً.

فسلام و رحمة من الله خاصة على من أحسن لي من البدء فأحسن اختيار أمي و أحسن اختيار إسمي و أحسن مطعمي فلم يطعمني إلا الحلال و أخلص لله في رعايتي حتى صرت أراه في كل شئ يوصل لله و رسوله صلى الله عليه و سلم.
و سلام و رحمة من الله على من على قدر ما أخبرته من كلمات الحب في حياته أشعر دائما أنني لم أستطع أن أعبر له عنها بالقدر الكافي فأطلب من الله أن يوصلها له مع كل دعاء ينطق به لساني و كل فاتحة أهديها لروحه.


أما عن إجابة سؤالك يا أبي : لم أعرف الإجابة بعد لكنني لازلت أسعى لمعرفتها و لكن السؤال الذي أتمنى أن أسأله لك يا أبي عندما أراك إن شاء الله : هي الجنة فيها كام جنينة؟
:)

٢٠١٤-٠٤-٠٦

حلم وليد




النهاردة افتكرت إنى من فترة كان حلم من أحلامي إني أعمل كيان نسوى بديل للبنات اللى مابيقتنعوش بأفكار الفيمينيزم الغريبة المنتشرة في الكيانات اللى من النوع ده في مصر و اللى عادة بتاخد أفكارها من برة و بتكون كلها أفكار غير متلائمة مع مجتمعنا و لا طباعنا و لا ديننا .
السبب الرئيسي اللى بيفكرني بالحلم ده كل شوية هو اكتشافي إن معظم البنات و الستات اللى في محيطي حالتين :

إما منكسرات و خاضعات للرجل بشكل مستفز و فاكرين إن هو ده الدين أو إن ربنا عاوز كده و إنهم مجبرين على ده علشان الدين و في الغالب الحالة دي بيبقى جوزها أو أخوها أو أبوها مفهمها إن هو ده الدين فعلا و مبسوط بفهمها الغلط ده علشان يستغله .
و إما نافرات متمردات على كل ما هو خاضع للتقاليد و الأعراف و الأحكام سواءا المجتمعية أو الدينية لأنهم فاكرين بردو إن الدين هو سبب كبت حريتهم و إنهم لو التزموا دينيا مش هيعرفوا يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي أو مرضي لذا قرروا ينفروا من كل ما له علاقة بالدين علشان يوفروا على نفسهم عناء المناقشة و الجدال بين رغباتهم و المتاح لهم .

الكيان ده هيبقى قائم بشكل رئيسي على السيدات و هيبقى فيه تخصصات كتير منها :
1- فقيهات في الدين الإسلامي و المسيحي :
مهمتهم استخراج و شرح الأحكام المتعلقة بالمرأة و الأحكام دي مش قاصرة على أحكام الحيض و النفاس و الرضاعة على أهميتهم يعني لكن كمان في كيفية تعامل المرأة مع المجتمع و حدودها و ازاي تدير حياتها و حياة غيرها و تدير مؤسسة هي مسئولة عنها ، الفقيهات دول هيكون دورهم الأساسي يعرفوا البنات و الستات على حقوقهم و إنهم مش مجرد زينة للرجل أو مكمل ممكن يستغنى عنه و إنما هما الأساس و إن في عهود ولادة الأديان كانت المجتمعات أكثر تحضرا في معاملة المرأة عما نحن عليه - أيوة أنا مقتنعة بكده-
هيعرفوا الناس إن السيدات كانوا بيعترضوا على الحكام و كانوا بيشاركوا في الحروب و كانوا بيداووا جرحى من الرجال عادي كده من ما يحصل لهم تحرش و كانوا كمان بيقفوا في السوق يبيعوا و يشتروا معززات مكرمات .

2- طبيبات نفسيات :
لعلاج الحالات الكتير المتفشية في السيدات في مجتمعنا اللى استمرؤا المازوخية و حب تعذيب الذات مع رجل لا تستفيد منه شئ بل على العكس بيزيد حياتها كآبة و إحباط كل يوم بيعيش معاها فيه ، الرجل اللى الست بتصرف عليه و تأكله و تربيله العيال و هو مابيعملش أي حاجة غير إنه يشغلها و ياخد فلوسها و النوعيات دي لو تعلمون كتيرة قوي في بلدنا ، كمان هيعالجوا الستات اللى نفسيتهم بتتعب من حالات الطلاق أو المشاكل الزوجية أو غير الزوحية .. المشاكل النفسية العامة اللى بتحصل لأي بنت أو ست في بلدنا و تقريبا كلنا مليانين مشاكل من دي .

يتبع

٢٠١٤-٠٤-٠٤

فتاة الضوء




ما أنا إلا فتاة قليلة المواهب ، لا تستطيع التحدث في الهاتف أثناء القيادة و لا تتحمل الثرثرة أكثر من عشرة دقائق ، لا تبتسم إلا لما يسعدها حقا و لا تبغي من الدنيا قصرا كبيرا حتى لا تتحمل مسئولية إدارته و لا سيارة فارهة فهي لا تحتمل تأنيب الضمير إن خدشت ..لا تمتلك موهبة الأريحية في سباب البشر و لا تنام ليلها إن اضطرتها الظروف أن تخذل أحدهم ، قرارتها نابعة مما تراه صادقا لا مما تراه صحيحا ، ربما لا تدرك حقيقة إمكانياتها الضئيلة إلا في أوقات قليلة لكنها طول الوقت تحمل في قلبها شعلة ترشدها إلى الضوء ، ذلك الضوء الخفي الذي يرشد الحالمين ..ذلك الضوء الذي لا يطفأ إلا لطارئين : موت الحلم أو موتها.

٢٠١٣-١٢-١٥

في يوم من الأيام -ربما قريبا - سوف أمتلك من الجرأة و القوة أن أحكي عن الوجع و الإنكسار الكبيرين اللذين اجتمعا عليّ و أنهكاني جسدا و روحا .. سوف تنساب الكلمات بسهولة عوضا عن الدموع و سوف يهدأ خفقان القلب و اضطرابه حين تجتاحني الذاكرة .

و حتى ذلك اليوم .. إلى أرواح الغائبين الحاضرين مني "سلام"



٢٠١٣-٠٥-٢٧

مقاومة الحجب



الكتب و الورق و النظارة ، لمعة السبحة و رائحتها، حتى العباءة و القميص الأسود الكاروهات ..لازالوا ينتظرون .. جميعهم يصرون على عودتك رغم كل الإجابات التى لا تأتي على الأسئلة العاجلة و أكواب الشاي الناقصة وبهارات الشوربة -اللي ماتمزجش- و ليل الصيف الذي لم يأت بعد  لأن مكانك في حديقة البيت خالي..
كل هذه الأشياء كانت تحسدني أن كنت يوما أقرب إليك منها لكنني اليوم أحسدها ..فهي بالتأكيد تراك بدون هذه الحجب التى كتبت عليّ !

٢٠١٣-٠٤-٢٣

حتى لا يكون البقاء للأقوى

 
الحياة بعد الثورة لم تعد تتسع إلا لهؤلاء الذين هم
 extreme 
يعني لو إنت إنسان معتدل في أي شئ في حياتك إعرف إنك مش هتعجب حد مش مشكلة تعجب الناس قد ما المشكلة إنك هتكتشف إنك كمان مش هتعرف تعيش ، قبل الثورة كانوا اللى بيعرفوا يعيشوا هما الحرامية أو الأغنياء غنى فاحش حتى لو من حلال ، هما دول اللى كانوا عارفين يعيشوا لكن النظام القديم كان طاحن كل الناس بكل فئاتهم و درجاتهم يعني المسلمين المتشددين كانوا مطحونين و المسيحين خايفين و الاشتراكيين قرفانين و الليبراليين مخنوقين و اللى مالهمش توجهات مش مبسوطين لكنهم عايشين و خلاص بيواسوا بعض بإنهم كلهم تحت حكم واحد طاحن الجميع باستثناء اللى بيعرفوا يمشوا نفسهم بفلوسهم أو بنفوذهم أو بنفاقهم و النوعية الأخيرة دي في كل الأنظمة بتعرف تعيش كويس جدا.
الغريب إن اللى قاموا بالثورة و كانوا السبب الحقيقي في إنها أحدثت تغيير و لو من على الوش هما الطبقة المتوسطة أو المعتدلة اللى كانت إلى حد ما عارفة تعيش لكن مش مبسوطة باللى بيحصل حواليها و مخنوقة من غياب "العدل" ، الطبقة دي جاتلها صحوة مفاجأة و حبت تعمل تغيير و تحرر المتطرفين   بكل أنواعهم علشان مبدأ هما دايما بيسمعوا عنه لكن عمرهم ماشافوه و هو "الحرية" ، قررت تطلع من الcomfort zone  
و تحرر الآخرين و تحقق في المجتمع "العدالة الإجتماعية" اللى تضمن إنها –كطبقة متوسطة- ماتنقرضش و تضمن للى أقل منها إنهم يعيشوا و مايموتوش من الجوع و توقف الطبقة اللى فوقها عن مظاهر البذخ المستفز اللى كان بيقهر اللى أقل منها .
اللى حصل إن الاكستريمز  فعلا اتحرروا لكن لأنهم اكتسريمز  فكل فئة أو مجموعة منهم حبت تفرض سيطرتها على النظام الجديد و تثبت إنها هي الأحق بيه و علشان تعمل كده سعت لإنها قبل ماتحارب الفئات التانية تستقطب ناحيتها شوية من الطبقة المعتدلة الغير مستقطبة ، السنتين اللى فاتوا حصل فيهم ده بشكل ملحمي .. كانت كل فئة بتستقطب على قد ما تقدر أفراد من السواد الكبير اللى اسمه الطبقة المعتدلة علشان هما دول اللى بيوزنوا الكفة في الآخر و بيفرقوا زي ما فرقوا في الثورة.. المشكلة إن مع الإستقطاب ده الطبقة المعتدلة ابتدت تتآكل بشكل ملحوظ لدرجة إنها كادت أن تنقرض .
كل فئة من الفئات اللى بتستقطِب عارفة كويس إن هييجي عليها وقت و تواجه الفئة التانية إما بحرب أو بتفاوض يخليها تحصل على مكاسب أكبر ، كلهم عارفين إنهم في الآخر هيضطروا يعيشوا مع بعض لإن الاكستريمز   مابيعرفوش يغيروا بعض لكن بيعرفوا يحاربوا بعض و يتفاضوا مع بعض بعد وقوع الضحايا و مكاسبهم في التفاوض بتتوقف على عدد الأشخاص اللى هيعرفوا يستقطبوهم من المعتدلين.
المشكلة دي حلها ليه سيناريوهين واحد متفائل وواحد متشائم .

الحل المتفائل : إن الطبقة المعتدلة ترجع معتدلة تاني بنفس كتلتها ماتندمش على التغيير اللى عملته علشان الاكستريمز   يعيشوا لكن تبقى هي المسيطرة عليهم بدل ماهما اللى يسيطروا عليها و توقفهم عند حدهم و تبقى هي الفيصل بينهم و تمسك هي زمام الأمور و ده يحصل إما بثورة تانية أو بسيطرة المعتدلين على المناصب و المراكز الحساسة في الدولة و ده صعب يحصل إلا بضغط شعبي كبير يعني ثورة بردو ! و الله فكرت فيها كتير مش شايفاها تيجي أبدا بالطريق الإصلاحي التدريجي بتاع كل واحد يشتغل في الحتة اللى هو فيها و ننهض بالبلد لأن و احنا بننهض بيها في ظل نظام استقطابي بنحول نفسنا لتروس في عجلة بتدوس على اللى قدامها و هي دايرة يعني بنتحول لمستقطَبين و احنا مش حاسين.
الحل المتشائم : إن الاكستريمز 
ينجحوا في القضاء على الطبقة المعتدلة اللى حررتهم و يقعدوا على طاولة المفاوضات يتفاخروا قدام بعض بعدد الرؤوس اللى حصدوها من المعتدلين اللى تحولوا لاكستريمز   زيهم و تموت فكرة الاعتدال اللى جواها مبادئ الثورة من عيش و حرية و عدالة اجتماعية في بلدنا و يبقى – كما قال محمود مكي نائب الرئيس- : "البقاء للأقوى".

٢٠١٢-٠٩-٢٢

أيها الحلم دعني أتقيؤك..تدوينة مقززة بعض الشئ




أكره إحساس القئ منذ الصغر ..أعرف أن الناس كلها تكرهه مثلي ..لكن لهذا الإحساس معي قصة مذ كنت صغيرة مترسبة في أعماقى تستدعيها الذاكرة كلما سمعت الكلمة "قئ".
و القصة ببساطة هي أننى عندما كنت في العاشرة من عمري تقريبا و في ليلة من ليالى الصيف الطويلة تناولت عشاءا ثقيلا ثم نمت في الثانية عشر تقريبا لأصحو في الثانية على قئ استمر حتى السابعة صباحا  .. كان الإحساس شاقا جدا ، كنت أشعر و كأنني أتقيأ روحي لا الطعام الذي في معدتي ..كانت التجربة أشبه بالموت و أنا لم أكن وقتها بعد قد أحببت الموت.
أذكر أني في الفجر كنت أبكي من الألم و الضيق من هذا الشعور فقالت لي أمي "صلى الفجر و ادعي ربنا يشفيكي" و فعلت.
 صليت الفجر و دعوت الله ألا أصاب بالقئ في حياتي مرة أخرى أبدا ، كنت أشعر وقتها بأن الله يسمعني و سيستجيب لدعائي حتما حتى جاءت الساعة السابعة صباحا و قد شفيت من الألم و تقبلت معدتي الماء كبداية ثم الليمون.

 و منذ ذلك الحين لم أشعر بهذا الشعور المقزز إلا قريبا ، كنت على مر السنوات منذ ذلك الوقت و أنا أذكر هذه الحادثة بالضيق الذي كنت أشعره وقتها و بالفرج الذي أتى من دعوة لاقت استجابة فورية و سماء كانت "مفتوحة" -كما يقول البعض- وقت الدعاء .. كنت أسترجع اللحظة كلما هممت بدعاء أريده أن يتحقق فورا ..أحيانا كان الأمر يفلح و أحيانا كنت أرجع عدم التحقق لأنني لم أكن أريد الأمر بالشكل الذي أردت به توقف القئ و أحيانا أخرى كنت أرجعه لأن الخير ألا يتحقق ما أريد.
لكني في كل الأحوال كنت أشفق على هؤلاء الذين يصابون بين الحين و الآخر بهذا الداء الوقتى الذي يحول حياتك في لحظات إلى شئ تافه قد تودي به لقمة زائدة أو ملعقة تحمل جرثومة غير مرئية ، كنت أشفق عليهم و أحسد نفسي على المنحة التى أعطيتها في لحظة تضرع صادقة ربما لا تتكرر كثيرا في العمر، و ظننت أن الأمر سيظل على هذا المنوال حتى عاد القئ قريبا.
في حادثة مشابهة منذ شهرين تقريبا ، نمت في درجة حرارة منخفضة فأصيبت معدتي على مايبدو ببرد .. في الصباح شعرت و كأن شيئا ثقيلا يجثم على صدري يصعب على التنفس و تناول الطعام و الماء ، تناسيت الأمر و ذهبت إلى العمل و ما أن جلست في درجة حرارة التكييف حتى شعرت بالقئ مرة أخرى ..

ساعتان مرتا عليّ كالخمس ساعات اللاتى ممرت بهن و أنا في العاشرة من عمري .. ذلك الحمل الذي يقبض الروح و رغبة الجسم في التخلص منه ..شعوري بأن روحي تنفصل عني بقوة داخلية .. ثم راحة في الجسم بعد التخلص من هذا الحمل.
أتناول أحلامي كالطعام .. أتذوقها ..أمضغها بعناية حتى لا تصعب علي ..ثم أهضمها...
بعض الأحلام تترجمه معدة عقلي لخطوات عملية أقوم بها فيكتمل الحلم ، و بعضها يختمر في عقلي ليترسب و يؤثر على باقى الأحلام ، و البعض الآخر يقف بمجرد ابتلاعه ليعيق مسيرة الأحلام .. و من النوع الأخير أمتلك واحدا. 

عن ذلك الحلم الذي يقف عنيدا في منتصف الروح لا هو يتحقق فتهضمه روحي و لا هو يترسب فيترك لي أحلامي الأخرى تستكمل دورتها ..
عن ذلك ال"حلم" الذي تحول إلى مجرد "حمل" تضيق به نفسي و يمنعني من التنفس أحيانا
عن ذلك الحلم العصيّ عن الفهم و عن الهضم و عن الترسب .. دعني أتقيؤك
ربما لو استجمعت قواي للفظك لخف الحمل عن كاهلي ..و ربما أفسحت العقل لاستيعاب أحلام جديدة .. لماذا تقف دائما حائلا دوني و دون الانتصار ؟ 

لماذا تقف كصخرة تتحطم عندها كل الرجاءات و الطموحات .. و لماذا لم أفكر يوما قبل اليوم أن أتقيؤك كما أتقيأ الفاسد من الطعام؟
ربما لم تكن حلما فاسدا و ربما الفاسد هو عقلي عن استيعابك و هضمك بالقدر الكافي لكن الأمر الحتمي كي تستكمل الآمال تحققها أنك لابد و أن تنزع من روحي نزعا حتى و إن كان إحتمال أن تفيض روحي أثناء نزعك قائم ..فما البقاء فيها عاجزة خير من الانسحاب منها في محاولة التحرر..كلاهما مر !

لكن مرارة الحرية على أية حال أشرف من البقاء تحت وطأة القيد المكبل ، لذا دعني أتخلص منك و اذهب إلى هؤلاء العجزة الذين يسخرون من الحالمين ..هم أجدر بك مني و ربما تتحقق لهم بينما أنا غارقة في التخطيط لأحلامي الحقيقية
أيها الحلم ليست هذه أرضك .. و لا هذه الروح سكنك فارحل برفق إن استطعت أو دعني أتضرع إلى ربي في ليلة كليالى الطفولة كي يعطيني فرصة القئ مرة أخيرة أتخلص فيها منك.


٢٠١٢-٠٥-١٣


 
حسنا سوف أبلغ الثلاثين من عمري غدا إن شاء الله .. ماذا يعني ذلك الأمر؟
بغض النظر عن الهاجس الذي كان يسيطر على إلى وقت قريب أنى لن أبلغ هذه السن أبدا و أن حياتي حتما ستنتهي قبل هذا العمر في حادث مروري سيكتشف الناس أنه مدبرا بعد وقت قليل ..أو لا يكتشفون ذلك ربما.. أو لا يكون مدبرا من الأصل و لكنه قدري الذي لن أهرب منه بل سأستقبله بنفس راضية و روح تتوق للقاء..
و بعد أن بات أمر الحادث المروري مؤجلا إلى قدر غير معلوم بالنسبة لي على الأقل أصبح على أن أعى الحقيقة التى أواجهها الآن .. أنا سأبلغ الثلاثين غدا
 
- أن تبلغ الثلاثين يعني أنك لابد أن تفسر للناس لماذا لايبدو مظهرك كسنك ؟ عليك أن تثبت للعشرينيين أنك لازلت تفكر مثلهم و للأربعينيين أنك كبرت بالقدر الذي يتفهم سكونهم المغلف بالحكمة
- أن تبلغ الثلاثين يعني أنك لابد أن تدعي العلم بأمور كثيرة و ألا تستسلم عندما ترى الشاب ذو الثمانية عشر عاما يعرف الكثير الذي لا تعرفه
- أن تبلغ الثلاثين عليك أن تعى أولا أن الذي يبلغ الثمانية عشر عاما يسمى شابا و أنك بالنسبة له مجرد مشروع لكهل يدعي الشباب
- أن تبلغ الثلاثين عليك أن تفسر للعالم من حولك في كل تجمع لماذا لازلت وحيدا ..عليك أن تثبت لهم أنك انسان سوى و أن القدر وحده لم يضع أمامك الفرص التى تناسب مقاسك .. و أن الفرص التى تركتها أو تركتك لم تكن كذلك.. عليك أن تثبت لهم أنك لست سعيدا بذلك حتى لو كنت سعيدا لأن المجتمع لن يعترف بك وحيدا و الأنكى لن يقبلك و أنت سعيد بوحدتك..أنت تشكل عليهم خطرا ما لا يعرفونه لكنهم واثقون منه
- أن تبلغ الثلاثين عليك أن تعرف أن العالم ينتظر منك أن تكون حصيفا متفهما لكل الأمور ذو انجازات واضحة في المجتمع ..حتى و لو كان المجتمع نفسه يقف في طريق نجاحك في كل محاولة منك لكن ذلك لا يبرر أبدا ألا تكون ناجحا .. كن ناجحا فحسب .. كن ناجحا يا أخى و لا تجادل
 
حسنا سوف أبلغ الثلاثين من عمري غدا إن شاء الله .. ماذا يعني ذلك الأمر؟
 
-  أن تبلغ الثلاثين يعني أنك لابد و أن توثق اللحظة و المرحلة التى أنت مقبل عليها حتى و لو لم يكن يعنيك الأمر الآن فربما يعنيك يوما ما !! و حتى تستطيع ذلك لابد أولا أن توثق المرحلة التى أن قادم منها لتوك مرحلة العشرين و ما بعدها .....
لا تسعفنى الذاكرة لتذكر عشر سنوات كاملة و لكنى أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي بلغت فيه الحادية و العشرين من عمري .. كنت أستعد للتخرج من الكلية و كانت الصدمة مزدوجة .. فكلمة "تخرج" كانت تعنى لى الخروج من هذه الشرنقة التى ظللت فيها خمس سنوات لا أعلم عن العالم الخارجي شيئا غير أنى لابد و أن أتخرج مهندسة و أن العالم ينتظر مني ذلك فلابد أن أكون على قدر انتظاره و أن كل الأشياء لابد و أن تؤجل إلى ذلك اليوم الذي أخرج فيه من الشرنقة
في لحظة الحادية و العشرين خرجت من الشرنقة مندهشة من العالم الغريب أنتظر تاريخا لأبنى عليه المرحلة القادمة كان كل مايشغلنى كيف سأرتب وقتى القادم و كيف سأملؤه و بم سأملؤه بعد أن اكتشفت أن العالم مثقل بالخريجين و لا ينتظر المزيد منهم بل علي أنا أن أثبت له أننى جديرة بأن يتحملنى العالم و كانت المشكلة من أين أبدأ.. لذا تأجلت دهشة الحادية و العشرون لحين العثور على بداية الطريق في الحياة العملية.
عموما لم يطل الأمر كثيرا و بدأت الحياة العملية بالفعل و انشغلت بها عن ادراك اللحظة التى كان لزاما على توثيقها حتى وصلت لمرحلة الخامسة و العشرون ..
في الخامسة و العشرون كانت صدمة أخرى .. ربع قرن على ظهر الأرض بلا انجاز يذكر ..فقط أحاول التماس الطريق .. الأمر كان مخيفا للدرجة التى جعلتني أسير في كل طريق يفتح أمامي ربما كان هو الطريق المرتجي .. مر عيد ميلادي الخامس و العشرون كئيبا بحق كعادتى في ذلك اليوم من كل عام .. المحاسبة التى تصل إلى جلد الذات و تمنى أن ينتهى ذلك اليوم سريعا – ملحوظة: أتذكر أنى في العاشرة كنت حزينة لأننى أتممت عشرة أعوام بلا انجاز حقيقي و اعتدت هذا الأمر حتى بلغت الخامسة و العشرين-
لكنني في السادسة و العشرون اتخذت قرارا بألا أحزن على العمر مرة أخرى .. و نجحت بالفعل في الاحتفال بعام مر من عمري بكل ما فيه من أحزان تعلمت منها و أفراح سوف أجترها من الذاكرة وقت الحاجة.. احتفلت يومها بأننى في كل عام أصغر من العام القادم بسنة فأمامى سنة حتى أبلغ العام القادم لأفعل بها ما أشاء
منذ ذلك الحين لا أذكر أننى اكتئبت في يوم ميلادي بل على العكس .. أصبحت أتوق للمفاجأت و الهدايا التى يضعها الله في طريقى كل عام و أوثقها في ذاكرتى لتشوقنى لهدايا العام القادم فمثلا :
في السادسة و العشرين : أهدانى الله برحلة للعمل في الكويت تعلمت فيها الكثير و الكثير و خرجت من التجربة بشكل مختلف .
في السابعة و العشرين : هدانى الله إلى اتخاذ القرار بإنهاء تجربة السفر و العودة إلى أمى مصر و أمى والدتى اللتان تركت جزءا من روحي معهما
في الثامنة و العشرين : هدانى الله إلى اتخاذ قرارا شخصيا كنت لا أجرؤ على اتخاذه من قبل أثرعلى حياتي بعدها و جعلنى أقوى
في التاسعة و العشرين : أهدانى الله قبل ميلادي بأربعة شهور بالثورة التى غيرت الكثير في حياتي و حياة وطنى و جعلتنا نقترب أكثر و نوقن أن حب وطننا يجري في دمانا بالفعل لا بالأقوال فقط  و أهدانى الله أيضا بثلاث احتفالات لم أكن أتوقعهم من الأقارب و الأصدقاء
أما في الثلاثون : أهدانى الله سفرا إلى السودان الشقيق منذ شهر تقريبا كانت رحلة لا تنسى أتمنى أن أوثقها قريبا حتى أسرد فيها كل ما وجدته من نقاء و بلاد تعرف الخير و أهل هم بحق أخوة دم
ثم أهدانى منذ ثلاثة أيام بهدية أخرى " لقد أصبحت عمتو لأول مرة في الثلاثين من عمري" والحمد لله لطفل اسمه محمد أسأل الله أن ينبته نباتا حسنا و أن أكون له عمة جيدة :)
فلله الفضل و المنة  .. اللهم بارك لنا في أعمارنا و ارزقنا حسن القول و العمل و أحسن خاتمتنا يا رب العالمين


٢٠١٢-٠١-٠٦

في ذكرى بطل


في مثل هذا اليوم عام 1986 استشهد واحدا من ضحايا نظام كان لا يكترث إلا برضا أسياده أمريكا و اسرائيل ، قتل الشهيد البطل سليمان خاطر في المستشفى و أدعى النظام أنه انتحر ..قتل لأنه أدى واجبه نحو وطنه برجولة و لم يسمح لسبعة من الاسرائيليين أن يتخطوا أرض الوطن ، حذرهم ثلاثا ثم أطلق عليهم الرصاص عندما لم يستجيبوا لتحذيراته .
حوله النظام إلى محاكمة عسكرية بدلا من إعطائه نوط الواجب و حكم عليه بالمؤبد
تم تحويله بعدها إلى المستشفى بدعوى علاجه من البلهارسيا و نفذ فيه حكم اسرائيل حليفة الخونة .. قتل لأن تهمته كانت "حب الوطن"

في ذكراه .. أشعر أن دمائه مازلت تسيل على أرض الوطن ، فمازالت التهمة تلصق بكل من أحب الوطن و مازالت دمائهم الذكية تسقى الأرض العطشى و مازالت أجسادهم تُمتطى من الانتهازيين و الخونة
رحمك الله يا شهيد الوطن و رحم كل من مات من أجل أن نعيش بكرامة ..عزاؤنا فيكم أنكم تركتم محكمة الدنيا الجائرة و ذهبتم إلى من لا يظلم مثقال ذرة ..عزاؤنا أنكم في الجنة بإذن الله .. ألحقنا الله بكم على خير و رزقنا شهادة مثلكم من أجل وطن يأبي إلا أن يحيا على قطف أزهاره و أجمل ما فيه

كتب فيه الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدة "أضمك" التى كانت نهايتها :
وآخر كتابي
أيا مهجتي
أمانة ما يمشي
ورا جثتي
سوى المتهومين بالوطن
تهمتي
فداكي بدمايا اللي شاغلة الخواطر
بطول الزمان

http://www.youtube.com/watch?v=-U74QgQ9AYU&feature=endscreen&NR=1

٢٠١٢-٠١-٠٥

حكاية رجل يجيد التلكؤ



هم دائما من حوله يبادرون .. أما هو فله الخطوات الثانية ، العقل في المنطقة الثلجية و الجسد في المنطقة الدافئة دوما .

ينعت نفسه بالحذر ، يراه الناس عاقلا متريثا .. قليل الخطأ كثير المبررات ، يحلل أكثر مما يفعل .. هو الرابح الوحيد من كل الصراعات التى تحيطه ففى النهاية يموت الأشرار و يموت من قبلهم المبادرون و يعيش الهادئون الذين يكتفون بالمشاهدة و التحليل.

عندما كان طالبا ، كان يستذكر دروسه جيدا و لكنه كان يخاف أن يبادر بالإجابة في الأسئلة الشفوية فلم يكن المدرسين يعيرون له انتباها كثيرا فإذا به يفاجئ الجميع بتفوق ملحوظ و درجات نهائية لأنه كان في الفصل يتلكأ هنيهة قبل أن يجيب فيبادر المتسرعون و يجيبون بدلا منه.

و كذلك في العمل و الزواج عندما قرر ألا يستجيب لشعوره بالإرتياح لفتاة بعينها حتى لا تأسر عقله و توقفه عن التفكير بمنهجية و تريث.

بالرغم من كل هذا ، كان تعيسا .. كان يتوق للحظة من لحظات الخطر التى يعيشها من حوله ، كلما هم بالمبادرة أعاده خوف مغلف بالحكمة للصفوف الخلفية ..متواريا عن الأنظار كان .. لأنه كان يلعن النور الذي يفضح خوفا من تغيير قد يخرجه من صندوق الدفء.

بالأمس رأى "أمل" ابنة جاره الخلوق، الفتاة ذات العشرون ربيعا ، رأها تسير في الشارع المجاور كان يتعقبها شابا من هؤلاء الذين باعوا حياتهم للحظات السعادة الوهمية في المخدرات و العنف ، كان يضايقها بكلماته الخادشة تارة و يعترض طريقها تارة أخرى ..

فكر ..لم يعجبه الأمر ، كان يريد أن ينقذها من ذلك الشاب الطائش لكن شكل الشاب و خلفية الرجل العقلية عن البلطجية جعلته يتلكأ هنيهة علّ أحد المارة يبادر بالدفاع عن الفتاة و دفع المجرم عنها و قد حدث .. عاد الرجل إلى بيته مرتاح البال فقد أُنقذت الفتاة على كل حال و مر الأمر بسلام ، صحيح أن الذي أمسك بالبلطجي اكتفى بتوبيخه و تركه إلا أن الأمان قد عاد للشارع و هذا هو الهدف المرجو.

اليوم .. كان يسير بجوار ابنه في نفس الطريق ، لم يكن يعلم أن لابنه عداوة قديمة مع نفس البلطجي إلا عندما رآه يشهر سلاحه في وجه ابنه ، هذه المرة لم يكن للعقل مجالا .. لم يتلكأ و لم يفكر ، لم يتمنّ على المارة أن ينقذوا ولده فلقد كان يعرف جيدا أن المارة "هادئون ، عاقلون ، متريثون " مثله .. قرر أن يبادر كي يدفع الموت عن ولده .. تلقى الطعنة في قلبه ثم مات.

انتحبت زوجته و أولاده ، بكاه بعض المارة وعادوا لمنازلهم ليحكوا عن قصته لذويهم ثم تناسوا الأمر بعد أيام قليلة ... وحده هو كان سعيدا لأول مرة .. فللمرة الأولى ذاق طعم المبادرة .. و للمرة الأولى أحس بعد الموت أنه كائنا حيا