٢٠٠٩-٠٦-١٣

حبيبتي ...في غيابك


عندما اخترت أنا الرحيل و البعد عنك
كنا نحمل وعودا و اتفاقات ضمنية
وعودا بأن أعود سريعا
و اتفاقات ضمنية بيني و بينك أننا لن نمرر لحظة الوداع بدموع الفراق
اخترنا ألا يكون وداعنا صعبا حتى لا تكون العودة كذلك
حاولت أنا و أنت التنفيذ قدر استطاعتنا لكن أبي أبى ذلك
كلانا صمد لكنه هو لم يستطع
رغم ذلك و رغم وعودي لك ووعودك لي
أعلم أنك تعلمين كم ذرفت من دموع في غيابك و أعلم أنك فعلت المثل إن لم يكن أكثر

حسنا فلننس الأمر و تعالى لأحدثك عما أخفيته عنك طيلة سنة بعدتها
لم أرد أن أشركك في تلك التفاصيل حتى لا ترهقك تفاصيلي
و لأني أعرف قدر اهتمامك بتفاصيلنا
و اعرف قدر تأثرك بما يطرأ علي في غربتي
و أعرف أن ذلك موجع
و أعرف أيضا أنك لست تحتملين وجعا أكثر و لا أكبر
.......................
في بداية الأمر
لم يكن إخفاء مشاعري بالوحشة لك شيئا يسيرا
يومي الأول
عندما تركني أخي في البيت وحدي ليذهب للعمل ليلا
احساسي انى في بلد غريب في بيت غريب بعيد عنك كثيرا
صدمة اني لن أنام بجوارك حينما أريد
صدمة اني لن أراك اليوم ...كانت أول صدمة و بالطبع ليست أول دمعة
أيامي الأولى
قلقي و خوفي و توتري ممتزجين بوحشتك التى لا تنقطع
اشتياقي لحكيك ...لطمأنتك لي ...للثقة التى تمنحيني إياها
كل ذلك لا يجيد "الماسنجر" إيصاله سالما
لكن الحياة كانت تمر على أية حال
و اللحظات الصعبة كنا نتصبر عليها بمكالمة هاتفية أو أن تشاهدي وجهي على شاشة الكترونية أو أشاهد صورك على هاتفي
أمي
في غيابك تغيرت كثيرا
لم أعد تلك الطفلة التى لا تحتمل أخذ القرارات بنفسها بل تشركك في اختيار لون ردائها اليومي
أصبحت أدرك معني قراراتي و عباراتي أكثر
لم يعد العالم بالنسبة لي واحة خضراء كلما رويتها ازدادت
بل عرفت ما تحمله الابتسامات الباهتة للبشر
و ما يخفيه الآدميون وراء عطورهم الفواحة و ملابسهم الأنيقة
-و لن أخفيك سرا أني قد تعلمت منهم البعض-
حتى عاداتي تغيرت
صحيح أني لازلت أسهر حتى ساعات الصباح الأولى
لكنى لم أعد أتأخر في الاستيقاظ -ما كان يغضبك مني-
و ذلك بالطبع له أسباب قوية
أولها : أنى لم أعد أشعر بالأمان في النوم كما كنت في ظلك
تعرفين كم كان حبي للنوم صغيرة لكنك لا تعرفين كم أصبح النوم واجب ثقيل علي اليوم
أما ثانيها :أني لم أعد أتوقع أن تمتد يديك الحانيتين علي ليلا كي تغطيني أو تحملى هاتفي من جواري لتضعيه بعيدا لأنه "خطر أثناء النوم"
حتى أحاسيسي الخفية بأنك هنا في مكان ما تنتظرين صحوي كي أحضر لك فنجان القهوة الصباحية لنسترق دقائق للفضفضة في بداية اليوم ، كل تلك الاحاسيس لم تعد تطمئني بعدما تجرعت صدمات أوهامها في أيامي الأولى
هذا عن النوم
أما عن باقى تفاصيلى...فإليك المفاجأة
أمي في غيابك...أدمنت القهوة
أجل القهوة يا امي
لم تقرئيها خطأ
القهوة التى كانت تسبب لي السهر يومين كاملين إن حملنى فضولي يوما و رشفت من فنجانك رشفة أصبحت اليوم ملاذي الوحيد مع مشاكل النوم الذي حكيته لك سالفا
الحقيقة .. أن مقاومة النوم ليست هي السبب الوحيد
هناك سبب آخر نفسي
اكتشفته عندما تفاجأت بنفسي عدة مرات اتذكرك كلما اشتممت رائحة القهوة
كان هذا هو رد فعلى لوحشتك و شوقى اليك
أعلم انك تغضبين من ادمانى للقهوة
و لكن عذرا أمي .. فالاشتياق اليك يثبت كل يوم انه اقوى من ارادتي ضد الادمان
.........
بالطبع ليست القهوة وحدها ادمانى اللذيذ ...هناك ادمان آخر
لكنه هذه المرة ليس مفاجأة لك ... الانترنت
لكنه اليوم اتخذ شكلا جديدا
إن كان يأخذ من يومي نصفه قبل ذلك .... فالانترنت اليوم هو يومي كله
لسبب بسيط لأنه الآن هو العالم بأسره
أن يصبح عالم و علاقاتي بأهلى و أصدقائي و حياتي كلها رهن لسلك إما متصل أو منقطع .. احساس ليس بهين على أي انسان
لقد تغيرت يا أمي
وحدتى جعلتنى اجلس مع نفسي التى كنت أهرب من الجلوس معها
أصبحت الآن أجرأ على أن أعترف بكل عيوبي دون خجل
و أصبحت أيضا أقوى أن أذكر مميزاتي دون تواضع
اتخذت قرارات اتمنى أن أكون بالصلابة التى تجعلنى أنفذها بعدما تجرعت مرارات أخطائي
كل ذلك حدث في غيابك
ربما تتسآئلين الآن لماذا أذكر لك كل هذا ؟
أتعلمين لم يا أمي
ربما
حتى تكون هذه التفاصيل ذكريات جميلة نتذكرها سويا أنا و أنت بينما نحتسي فنجاني القهوة الصباحية في أيامنا القادمة إن شاء الله
............
على الهامش : أستعد للعودة النهائية لبلدي مصر خلال أيام إن شاء الله