هيزيل جريس ،بطلة فيلم "الخطأ في نجومنا" ، فتاة أمريكية في
الثامنة عشر من عمرها مصابة بسرطان الرئة منذ أن كان عمرها ثلاثة عشر عاماً تتعرف
على حبها الأول أوجستس في جلسة لدعم مرضى السرطان فهو أيضا مريض بالسرطان و قد فقد
إحدى قدميه نتيجة لذلك ، يعيش الاثنان قصة حب مختلفة مغلفة بالألم و لكنها ناضجة
نضوج المدركين لأن كل يوم يعيشانه سويا قد لا يتكرر، فبرغم جهاز التنفس الذي تتحرك
به هيزيل و الساق الصناعية لأوجستس فإنهما قد اتخذا قرارهما بالاستمتاع بالحياة.
يفاجئ أوجستس هيزيل بأنه قد رتب لهما رحلة لأمستردام حتى تلتقي بكاتبها
المفضل الذي كانت تتمنى مقابلته لتناقشه في روايته الأخيرة و ينجح الشابان في
التغلب على الصعاب التي قد تواجهها هيزيل نظرا لحالتها الصحية ليجدا في أمستردام
العديد من المفاجأت التي تغير وجهة نظر هيزيل في كثير من الأمور.
و بنظرة أبعد من قصة الفيلم دعنا نتخيل ماذا لو كانت هيزيل جريس مصرية أو
على الأقل تعيش في مصر؟ ما هي المعوقات التي قد تحيد القصة الأصلية للفيلم عن
مسارها تماماً :
- هيزيل المصرية لن تستطيع الإنتقال بحرية بجهاز التنفس :
في أحداث الفيلم كانت هيزيل تتحرك بحرية
بجهاز التنفس الذي تحمله على ظهرها أو تجره بيدها موصل بأنفها ، هل لك أن تتخيل كم
المضايقات التي قد تتعرض لها فتاة مصرية بهذا العائق في وسائل المواصلات العامة
التى لا تنجو الفتاة الصحيحة فيها من تحرش أو مضايقات لفظية على أقل تقدير ، و إن
نجت من المضايقات هل ستنجو من نظرات الفضول و أسئلة الناظرين؟ لا أظن.
- لن يسمح لها بالتعرف على أوجستس من الأساس :
بالطبع أقدر خوف كل أم على ابنتها من أن يكسر
قلبها شاب مستهتر خاصة لو كانت هشة صغيرة يضعفها المرض ، و لكن أم هيزيل الأمريكية
كانت من النضوج أنها رحبت بتعارف ابنتها على شاب مادام الأمر سيكون تحت أنظارها هي
و والدها خاصة أن أوجستس كان مريضاً أيضاً مما يجعل التفاهم بينهما أمر غير معقد.
- لن تتمكن من الحصول على الموافقة على السفر من فريقها الطبي:
حسناً ، دعنا نفترض أن لهيزيل المصرية فريق
طبي قد يكرس من وقته الثمين اجتماعا لبحث إمكانية سفر هيزيل المريضة بسرطان في
مرحلة متقدمة رحلة هدفها الاستمتاع فقط ، هل هذا متاح في مصر؟ مع تردي أوضاع
الأطباء الذين يلهثون ليلحقوا بركب الحياة الذي لا يرحم من ناحية و بين إنقاذ
أرواح ملايين المرضى وسط أجواء اقتصادية و إدارية و تنظيمية هي الأسوأ بجدارة؟
أترك الإجابة لك.
4-البيروقراطية
و الشئون الإدارية و أشياء من هذا القبيل :
فعلتها هيزيل و تحققت كل المعجزات السابقة و
ها هي الآن في مطار القاهرة متجهة إلى أمستردام ، و لكن شيئا ما بالتأكيد سيعيقها
ألا و هو الخوف و الإجراءات المشددة على الطيران ، فجهاز الأكسجين الذي تحمله
بالطبع ممنوع على متن الطائرة و لا توجد بدائل و مظفوا شركات الطيران لا يملكون من
الصلاحيات ما يجعلهم يتخذوا القرار أو يتحملوا تبعاته ، سيصعد الأمر إلى المديرين
إن وجدوا في أماكنهم و لكن العثور عليهم و اقتناص موافقاتهم سوف يضطر الطائرة لأن
تقلع بدونها بالتأكيد.
5 –لن يتمكن ذووها من تلقي الدعم النفسي
اللازم :
في مشهد من المشاهد الرئيسية في الفيلم كانت
هيزيل الأمريكية تعبر لأمها عن سبب خوفها الأكبر من الموت و هو أن يسبب ذلك فقدان
أمها للرغبة في الحياة و فقدها للقب الأم للأبد ، لكن أمها تفاجئها بجوابها أن
فقدانها سوف يكون مؤلما كالجحيم لكنها تعرف جيداً –لأنها مرت بألم السرطان – أن
الإنسان يستطيع العيش مع الألم .
كانت هذه واحدة من أقوى الدروس التى يعلمنا إياها الفيلم و هي أن الفقد
لا يفترض أن يوقف حياة الأحياء مهما كان عظيماً و مؤلماً ، لكن والدة هيزيل لم تكن
تفكر بهذا المنطق من قبل ما جعل هيزيل تتعجب لتعرف بعدها أن أمها تتلقى دروساً
للدعم النفسي الخاص بأهالي مرضى السرطان.
في مصر يتلقى بعض مرضى السرطان -ميسوري الحال فقط- جلسات للدعم
النفسي لتخطي الألم و التغيرات المصاحبة لمراحل العلاج ، لكن رفاهية تلقى جلسات
الدعم النفسي لأهالي المرضى لم تعرف طريقها إلى مصر بعد مما يزيد آلام هيزيل المصرية
و نظرائها ممن يمرون بهذا الاختبار الصعب ، فمن المعروف أن هذا المرض يعوزه بالأساس
قوة داخلية و إصراراً نابعاً من داخل متلقي العلاج و هو أمر يزداد صعوبة كلما كان
الجو الأسري المحيط ملئ بالحزن و الإنهزام النفسي و الأفكار السلبية.
و أخيراً ،أتمنى لكل أشباه هيزيل ممن يحاربون
هذا المرض الصعب انتصاراً ساحقاً في أي بقعة من بقاع الأرض و لكن بلدانا بعينها تحتاج
إلى ما هو أكثر من الدعاء، تحتاج معجزات لا تصنعها الملائكة بل يصنعها العلم و
العمل و الإرادة في تخفيف آلام المحاربين.