٢٠١٠-٠٤-١٨

ملك سابق


بينما كان يفتح فارس باب المنزل و يتسحب بهدوء مجتازا الردهة الصغيرة ليصل المطبخ كانت سوسن تقف كعادتها في المطبخ تطهو الطعام على أنغام الراديو ، منذ أن تزوجا من ثلاثة سنوات تعود أن يأتي من العمل فيجدها تطهو في المطبخ تستمع إلى انغام الراديو و تدندن معه بصوتها العذب لكنه اليوم لم يسمع الراديو و لم يسمع المحطة التى تحبها ، محطة الأغاني القديمة عشقها و عشقه الذي نما معهما طوال خمسة سنوات من الخطبة و الزواج .

تحرك بهدوء من خلفها كي يفاجأها و رائحة الملوخية تتخلل كل حواسه و تفقده القدرة على المقاومة ، وضع يديه بخفة على عينيها بعد أن كانت بالفعل قد شعرت به فقالت له :" حمد الله على السلامة ، جيت بدري عن ميعادك يعني"

- " وحشتينى ، ما صدقت الشغل خف في المكتب شوية استغليت الفرصة و اخدت اذن، ايه رأيك بقى في المفاجأة دي"

- " كويس و الله"

- " أمال بقى لو قلتلك على المفاجأة التانية..."

- " مفاجأة ايه؟"

- " أخدت أجازة أسبوووع بحاله .. أنا عارف يا حبيبتى ان أعصابك كانت تعبانة الفترة اللى فاتت علشان كنت مشغول عنك ما تفتكريش انى مش حاسس بيكي .. علشان كده انا قررت اننا هنقضى الأجازة دي في الساحل الشمالي و كمان هنروح بالعربية علشان نعرف نتفسح براحتنا هناك ،..مش ده اللى كان نفسك فيه من زمان؟"

- "ايوة لكن اسيب بابا و ماما لوحدهم و اسافر .. مش هينفع"

- " ماحنا دايما بنسافر و نسيبهم ايه الجديد؟"

- " لا انت فاجأتني يا فارس و انا مش مجهزة نفسي "

- " هتجهزي ايه يعني؟ الموضوع بسيط هي هدومى و هدومك و كل حاجة هنلاقيها هناك "

- " أنا مش قادرة و بعدين ..."

- - " ما تشغليش بالك انتى انا كمان ياستى اللى هجهز الشنط ، انتى ماعليكي إلا انك تتكرمى و تسمحيلي أنول شرف الترفيه عنك لمدة اسبوع يا مولاتي .. ياللا بقى انا هدخل أغير هدومى على ما تخلصي الاكل لحسن الملوخية ريحتها لا تقاوم"

دخل فارس غرفته فخلع حذائه و جلس على السرير ، شعر بالارهاق فرجع بظهره حتى رقد على السرير و نظر إلى سقف الغرفة الأبيض متخيلا فيه زرقة السماء الصافيه في الساحل الشمالى و نقاء البحر و سوسن زوجته سعيدة مبتهجة بأمنيتها التى تحققت أخيرا .

في اليوم التالى كان فارس قد جهز كل شئ ، سوسن أيضا كانت مستعدة بالرغم من اعتراضها بالأمس إلا أنها كانت قد استسلمت للأمر و قررت أن تنسي كل المشاغل و الهموم لمدة أسبوع قادم مع زوجها ، ركب الاثنين سيارة فارس الفارهة التى تعلو عن الأرض بقدر كبير ، أسلمت سوسن رأسها للوسادة الخلفية في كرسيها بينما اخذ فارس في استعراض مهاراته في القيادة السريعة التى هو محروم منها في شوراع القاهرة الضيقة و أنغام الراديو، تملأ السيارة بأغاني عبد الحليم و أم كلثوم و نجاة الصغيرة و هما يرددان معها في سعادة بالغة .

و بعد ساعة و نصف من السواقة شعر فارس بالارهاق فقرر أن يوقف السيارة ليرتاحا قليلا عندما لاحت له استراحة الطريق الأولى ، كانت الساعة لا تزال التاسعة صباحا و الاستراحة تبدو من بعيد خالية من الناس تماما ، أغلق الراديو و قال لسوسن : " ياللا ننزل نشوف حاجة ناكلها هنا و نريح العربية شوية"

دخل فارس الاستراحة فوجدها خالية تماما من الناس ، مليئة بالطعام الطازج و الشراب إلا أنها خالية بلا أشخاص تماما و كأن البشر تركوها للتو ، تعجب من الأمر ثم نظر لسوسن التى كان قد كسا وجهها القلق و الخوف ، استدارا ليرجعا إلى السيارة فلم يجداها ، صرخت سوسن من هول المفاجأة فأمسك بيدها فارس محاولا طمأنتها رغم فزعه الذي حاول أن يخفيه عنها ، دخلا سويا الاستراحة ليتفقدا ما إذا كان بها أحدهم ، كانت الاستراحة جميلة نظيفة واسعة الحجم بها جزء مخصص للطعام ، و كافيتيريا صغيرة بها جميع التجهيزات ، و في آخر المطعم يظهر سلم من الرخام يؤدي إلى الدور الأعلى ، صعد فارس في توجس و هو لازال ممسكا بيد سوسن التى كاد الخوف أن يقضي عليها فوجدا الطابق العلوي أجمل بكثير من الطابق السفلي ، في الجزء الأيمن جناح للنوم و كأنه قد خصص لملك من الملوك أو الأمراء بابه مفتوح على مصراعيه و يظهر منه سرير وثير ذو أعمدة مرصعة بالحليات الذهبية أما الجزء الأيسر فعبارة عن فراغ يشبه البهو في قصور العصر العثماني ، كان كبير وواسع عبارة عن مصاطب منحوتة في الحائط ككراسي عليها وسائد وثيرة و في وسطها نافورة مزخرفة من الفسيفساء ، أخذ فارس في التجول في أبهاء الطابق العلوي منبهرا و كأنه قد نسي أنه غريب في هذا المكان .

جلس على الأرائك الوثيرة قائلا لسوسن :" الله ..شايفة قد ايه جميلة، يا ترى الاستراحة دي بتاعت مين"

- " هو ده اللى يهمك دلوقتى شوف احنا هنروح ازاي"

- " و نروح ليه ؟ مانخلينا قاعدين هنا، كل شئ نحتاجه موجود "

- "نعم ، انت اتجننت"

- " اتجننت ليه ، واضح ان المكان ده مالوش اصحاب ، أو اصحابه سايبينه من زمان ، احنا نقضي فيه الاجازة و بعدين نرجع، كل حاجة موجودة"

- " لا انت اكيد اتجننت ، ما تقوم تشوف العربية راحت فين"

- " هه العربية .. أه صحيح"

نظر من نافذة الغرفة فوجد السيارة تقف في مكانها فأشار اليها قائلا :" العربية اهي في مكانها ، احنا نقضي الاجازة هنا و بعدين نرجع "

- " قضيها لوحدك أنا هرجع " قالتها سوسن مسرعة على السلم

أسرع ورائها فارس قائلا : - مش هو ده اللى كنا متعاهدين عليه ، كنتى بتقوليلي هبقى معاك طول العمر ، و كنتى بتقوليلى المهم نبقى مع بعض"

كان يقولها و هو يسرع بالخطوات كي يلحقها إلا أن خطواتها كانت أسرع ركبت السيارة بسرعة و في لحظة كانت قد اختفت من أمامه

- " فارس ..فارس .. قوم الأكل جهز"

أفاق فارس من نومه فنظر للمرآة المثبتة على الدولاب أمامه ، نظر لجسده الممدد على السرير و كأنه يتأكد بأن ما رآه كان حلما بالفعل ، ثم حمد ربه في سره و قام متثاقلا إلى غرفة الطعام

- ياااه أنا شفت حلم غريب قوي الحمد لله انه مش حقيقة

- فارس .. أنا عايزة اتكلم معاك في موضوع

- خير يا حبيبتي

- أنا كنت عند الدكتور النهاردة

أطرق فارس بوجهه متظاهرا بالانشغال بالطعام ثم قال لها :

- ألف سلامة عليكي ، عارفة حلمت بايه؟

- ده رابع دكتور يقول ان العيب مش مني

- حلمت ان فيه ملك و ملكة لقوا قصر في الصحرا و قرروا يعيشوا فيه

- فارس انت عارف ماما و بابا انا بنتهم الوحيدة .. و من حقهم يبقوا جد وجدة

- بس الملكة ما قدرتش تستحمل ..سابت الملك و القصر في الصحرا .. لوحدهم


٢٠١٠-٠٣-١٩

أنا .. الإنتخابية و الجيران


لا أعتقد أن هذا الشخص يعيش في مصر الآن أو يرى ما بها من ازدهار في مجال حرية الرأي و التعبير
و الدليل..لن يرهقك كثيرا إن أنت مشيت في شوار مصر و حواريها لترى كمية الكتب و الجرائد و المطبوعات ناهيك عن محطات التلفاز و الراديو كلها تنتقد في أداء الحكومات و الرؤساء دون أي اعتراض أو توقيف، فالناس تسب الحكومة و الرئيس في اليوم العادي اثنى عشرة مرة و في أيام الكوارث الطبيعية و البشرية المتوالية على مصر فإن السباب يكون قبل الأكل و بعده خمسة عشر مرة على أصابع اليد اليمنى .
كل ذلك دون أن يدخل أحدهم السجن أو يوقف أو يتهم بفعل لم يفعله كما كان يحدث في العصور الماضية ، و كل ذلك و لم نسمع يوما عن ثورة قامت هنا أو محاولة لقلب نظام الحكم قامت هناك ، فالشعب لا يزال يحفظ الجميل لرئيسه الذي قاد في يوم من الأيام قواته الجوية لتحرير الأرض .
صحيح أن هذا الشعب نفسه قد ثار من قبل على الرئيس الذي كان صاحب القرار في الحرب و صحيح أن ذلك القائد قد قتل بيد واحد من الشعب ، إلا أن الشعب بعد أن فقده شعر بالذنب و قرر أن يحافظ على أي شئ أو شخص من رائحة أكتوبر ذلك النصر العظيم ..و الأخير أيضا




يومها ذهبت مدفوعة بجرعة الحماس التي تأتينى من كل مكان بأن صوتي أمانة و حتى يكون لي حق انتخاب من أفضل فلابد أن تكون لي من الأصل "بطاقة انتخابية " الأمر سهل و بسيط فقط مشوار لن يستغرق خمس دقائق في قسم الشرطة الذي سوف يستقبلك الناس فيه بكل ود و ترحاب و تعاون ، صحيح هناك بعض السليين الذين شككوا في مصداقية هذا الحديث إلا أن كلمات المسئولين و شباب الأمل أعطوني الدفعة كي أكون أكثر ايجابية و تفاعلا مع هذا الجو المشحون بالطاقة و التفاؤل.

بالفعل وصلت للقسم في ميعاد مناسب فوجدت صفا طويلا من البشر ..كلهم جاءوا لاستخراج البطاقات الانتخابية رجلا و نساءا ، كانت هيئة الصف تبعث في النفس البهجة و التفاؤل ، كل هؤلاء يدفعهم الحماس و الخوف على مصلحة الوطن مثلى؟ كل هؤلاء قد شعروا بالأمان بالشكل الكافى الذي جعلهم يجيئون لقسم الشرطة بأنفسهم دون خوف أو قلق إثباتا منهم لحب الوطن، حتى هذه السيدة التى في عمر والدتي جاءت فقط من أجل أن تكون إيجابية و تدافع عن حقها في انتخاب من تريد.
كان شكل هذه المرأة المحجبة التى تبدو في الخمسين من عمرها منهكة تقف في طابور الرجال -لعدم وجود طابور للسيدات- تتحمل كل ذلك كافيا لمحو أي شك داخلى أن الشعب في مصر يثق ..بل و يؤمن أيضا بالحرية و الديموقراطية.

وقفت في آخر الطابور أو في منتصفه ، لا أدري ، فالطابور في مصر ليست له أبعاد أو أشكال محددة ، لا بأس فكلها شكليات لا تؤثر على المضمون كثيرا ، و بينما أنا واقفة أستكشاف الأمر جاءتني شابة في العشرينات من عمرها صغيرة الحجم محجبة تلبس بنطلون جينز و قميص بني اللون فسألتني بابتسامة مصطنعه : " انتى جاية تطلعي بطاقة انتخابية؟"
فأجبتها باستبشار : " أيوة"
في بداية الأمر ظننتها محامية متطوعة من شباب المعارضة جاءت لتساعدني كي أحصل على حقوقي كاملة و لكن ظني تلاشى عندما وجدت العسكري يعاملها بلطف و يسمح لها بالتعامل مع الجمهور بشكل عادي .
لم تعطنى الفتاة أية فرصة للاندهاش أو الاستفهام بادرتني :"فين بطاقتك؟"
و فور أن أخرجتها من الشنطة مشيرة إليها بها كانت البطاقة في يدها و هي تمشي مسرعة قائلة لي " تعالى معايا"
تبعتها في اندهاش فخرجنا من باب القسم و عبرنا الشارع المزدحم حتى وصلنا إلى مكتب التصوير المقابل للقسم ، أعطت البطاقة للشاب الذي كان يقف في مكتب التصوير ، أخذ الشاب البطاقة بطريقة روتينية دون أن ينطق ببنت شفة ثم صورها و أعطاها الصورة و الأصل.
أخرجت البنت نقودا و أعطتها للشاب فأخرجت بدوري نفس المبلغ كي أعطيه إياها فرفضت بشدة ثم تابعتني بلهجتها المتسرعة :"تعالي معايا بسرعة".
تبعتها بخطوات سريعة فدخلنا القسم مرة أخرى ، دخلت إلى غرفة كان يجلس بها عسكري على مكتب متهالك فطلبت منه ورقة النموذج ثم خرجت ممسكة اياها و قالت لي :"تحبي أملألك النموذج أنا؟"
هنا كنت قد ضقت ذرعا من تسرعها فسألتها :" هو انتى أصلا بتساعديني ليه؟ انتى تبع مين؟"
- " أنا تبع دكتورة نادية"
*" دكتورة نادية مين؟"
- " دي واحدة من المرشحين لمجلس الشعب"
استفهمت الأمر فقلت لها :" اااه ... بس أنا مش هرشح حد ماعرفوش "
- " دي كويسة جدا على فكرة و بتساعد الناس "
* " الكلام ده سابق لأوانه ، لما الانتخابات تيجي ابقى اشوف برنامجها و لو اقتنعت بيها ممكن أرشحها لكن بالطريقة دي..لأ"
- " لا طبعا براحتك ..احنا بس بنحب نساعد الناس ، املى انتى النموذج و أنا هستناكي "
ملأت النموذج على عجل حتى أذهب بعيدا عنها و عندما انتهيت منه تبعتني حتى ضقت ذرعا بها فهممت أن أصرخ في وجهها أن " ابتعدي عني فأنا لن أرشح الدكتورة نادية و إن كانت ملاكا بأجنحة" و لكنى بالطبع لم أستطع قول ذلك فقد بادرتني هي كالعادة بقولها :"بصي هتقفى في الطابور ده و لما تدخلى الظابط هيختملك و بعدين تدخلى المكتب اللى جنبه تاخدي رقم و بعدين تديهولي"
*" و اديهولك ليه؟"
- "علشان ابقى استلملك البطاقة "
لم أفهم شيئا منها و لم أرد أن استوضح منها حتى فتركتها ووقفت في الطابور ، و في أثناء انتظاري دخلت فتاة في الثامنة عشر من عمرها تلبس ملابش ضيقة أنيقة شعرها قصير وجهها تملأه المساحيق ، حين تراها تدرك من أول وهلة أنها طفلة تحاول أن تثبت للناس أنها أصبحت شابة و جميلة أيضا.
دخلت الفتاة القسم فعرفها العسكري الواقف على باب القسم ثم قال لها بابتسامة " انتى بنت الدكتورة نادية ، طيب ادخلى"
استقبلتها البنت التى كانت تلاحقني قائلة : " انتى اتأخرتي ليه؟"
_ " أنا لسة يادوب جاية من الجامعة"
- " طيب اقفى معاها هتديلك رقم ابقى اديهولي"
كانت تقولها مشيرة إلى بينما أنا اتميز غيظا من لزوجة بعض البشر حتى رن هاتف الفتاة الصغيرة فأجابت على الفور :
_" ايوة يا مامي..أيوة أنا وصلت ..الناس كلهم هنا عرفوني..لأ داليا وقفتني مع واحدة علشان آخد الرقم بتاعها و راحت هي مع ناس تانية..ماتقلقيش يا سيادة النايبة هههه.. مبروك مقدما يا ماما"
أغلقت البنت هاتفها ثم جائني صوت العسكري الواقف على باب الغرفة التى كنا نقف أمامها :"دورك ..اتفضلي"
دخلت المكتب و ختمت الأوراق من الضابط الذي لم يعر اهتماما بتلك التى تتبعني ثم خرجت من المكتب و دخلت المكتب المجاور ، أعطاني الموظف الذي لم يكن يلبس زيا عسكريا ورقة صغيرة مكتوب فيها رقم كل هذا و الفتاة الصغيرة تتبعني كظلي فسألت الموظف:" هو أنا هعمل ايه بالرقم ده؟"
^" انتى مش عارفة هتعملي ايه ؟ هو انتى جاية تبع مين؟"
*" تبع مين ازاي؟"
^" يعني تبع مين من المرشحين"
*" لأ أنا مش تبع حد ..أنا جاية لوحدي"
^" معقولة..انتى تقريبا أول واحدة تيجي النهاردة مش تبع حد من المرشحين "
*" طيب حضرتك ما قلتليش أعمل ايه بالرقم؟"
^" مفيش يا ستى ...هتيجي في نص مارس تستلمي البطاقة الانتخابية بالرقم ده"
*" شكرا"
^" بقولك ايه يا بنتى"
*" نعم يا حاج"
^" صوتك أمانة ..ماتديش الرقم ده لحد من اللى برة ..و ماتنسيش بقى نص مارس"
أجبته بابتسامة :" حاضر"

أنا لست مخضرمة في أصول الأقسام لكنني عندما خرجت من مكتب هذا الموظف كنت موقنة بأن هذا الرجل لم يكن يوما عسكريا ..لهجته الحانية التى تشبه لهجة أبي ، ملابسه و هيئته المعتاده للموظف المصري ذو النظارة السميكة و البدلة الشتوية ذات الألوان الترابية ، كل هذا يجعلك تشعرانه ربما أبوك أو عمك ، شخص تعرفه جيدا يعطيك نصائح ربما هو نفسه لا يعمل بها لكنه يجد فيك الأمل الآتى كي يحقق أحلامه التى انتظرها سنوات طويلة دون أن تأتي.
ذكرني مظهره بتلك المرأة التى كانت تقف في الطابور منذ دقائق ، و بينما أنا في طريقى إلى باب القسم لمحتها عيني ، كانت لازالت واقفة في الطابور لا أدري لم ، ربما هي أفعال الطوابير في مصر التى لا تحمل أشكالا و لا أبعادا محددة، كانت تتصبب عرقا و تتحدث مع العسكري الواقف بجوارها لم أسمع من حديثها شيئا إلا تلك الجملة :
" أنا و الله ماليش في السياسة و الحاجات دي ، ده أنا حتى لسة جاية من الشغل و تعبانة و عايزة اروح ، لولا انه جارنا ما كنتش جيت ، مش الجيران بردو لبعضيها؟"
خرجت من قسم الشرطة و قد زاد يقيني بوجهة نظري القديمة
- أن الشعب يثق بل و يؤمن ..بأن النبي وصى على سابع جار خاصة لو كان مرشحا لمجلس الشعب-

٢٠١٠-٠٢-٢١

حتى تأتي سعاد

مبتدأ: في مثل هذه الليالي(ليالي اللا حزن لا فرح) إعتدت أن أكتب
مرت بي ليال كثيرة كنت أكبت فيها مشاعري و كانت تغلبني هي في الظهور بأية صورة - الآن أعتقد أنى كبحت جماحها إلا أنها جعلت مني تمثالا من الثلج ..تري من فينا الكاسب؟

أقلب صفحات كتابي في يدي و أنا جالسة على هذا المقعد المتأكل في العربة المستطيلة - حولى وجوه لأناس ربما أراهم كل يوم في نفس الأوقات إلا أن عيناي لا تألفا أحدا منهم ..إذا فالكتاب هو الحل الأمثل لقتل ملل الطريق
وجوه لاهثة في الشوارع ..الكل يجري كي يلحق الميعاد - ميعاد المبارة النهائية - الكل يتعجل و كأنه ذاهب لملاقاه الخصم بنفسه و شخصه لا مجرد متفرج يري المعركة من خلف زجاجات و عدسات و هو يجلس على أريكة ناعمة أو ربما خشنة يلوم امرأته لأنها لم تضبط التلقيمة في كوب الشاي هذه المرة
جميع الوجوه منهمكة و جادة ..الكل يبحث عن حلم أو أمل يتحقق بأيدي الآخرين كي يعطيه أملا أنه ربما يستحق الحياة على وجه هذه الأرض أو أنه جدير بأن يسمى إنسانا وسط كل هذه الاهانات التى يلقاها على مدار يومه
أحاول الاندماج معهم تارة .. و لم لا فأنا أيضا أتمنى النصر لمنتخب بلادي يزداد حماسي ثم يعود فاترا عندما أكتشف أننى لن أحزن كثيرا لو خسر منتخب بلادي في لعبة لا أعلم قواعدها و لا أهتم أن أعرفها على الاطلاق.. إذا فلاتركهم لما يلتهون فيه و ألتهي أنا فيما بداخلي
بداخلي .. سر أخبرت به نصف أهل الأرض و لم يفهمه أحد ، صحراء متسعة مليئة بالطرق الوعرة لا تليق بمسافر ضعيف البنية قليل الحيلة ..بداخلي سماء داكنة اللون في ليلة كليلتنا هذه ، تتوسططها بقعة منيرة تسمى قمرا ، بقعة تطغي على ما حولها تستأثر بكل النور لها وحدها و تترك لما حولها من نجوم فتات الفتات ..لا أحب القمر بأنانيته و غروره

و لكن ربما هذه الليلة ليست داكنه كمعظم ليلات القاهرة ، أدير رأسي للوراء أنظر من زجاج العربه إلى السماء فلا أرى القمر ، فقط أرى أثره ، أبحث عن نجمتى التى أحبها و التى سميتها من قبل " سعاد" أدقق النظر فلا أراها ، من يدري ربما تأت الآن فهذه عادتها في تشويقى و إثارتي
لي مع سعاد ذكريات لطالما كانت الأجمل، كنت أسهر معها في ليالي الصيف القائظ في الإجازات السنوية ، بينما الكل نيام و أنا وحدي في الشرفة أدير رأسي للوراء بالساعات و أحدثها " سعاد" عن أمنياتي و أحلامي و ربما آلامي

لطالما حدثتها عن ذلك الكائن الذي كنت انتظره وقتها فلم يأت ، حدثتها عن أشباحه التى كانت تترائي لي بين الحين و الآخر ، كانت دائما تخبرني أنه الآن و في نفس اللحظة ينظر لها و يحدثها عني و عن طول انتظاره لي .. كنت انظر لها بعناية ربما أجد انعكاس عينيه في ضوئها بلا جدوي ..أعرف أنها لم تخبرني يوما بمكانه حتى لا تفسد على فرحة المفاجأة
لطالما قلت لها : سعاد.. أخبري من عن هوانا سائل أن هذا القلب محتاج لنبض ...أنا إن غادرت دنيا حبنا فالهوى عهد سيبقى دون نقض
يوما ما أتيتها في نفس الشرفة - شرفة بيتنا القديم - و قد ملأت دموعي عيناي ووجهي ، بكيت عندها و حدثتها كثيرا ، شكوت لها ما ألاقيه من قسوة البشر ، نصحتنى بالدعاء بل دعت لي و سبحت في أذني مائة مرة فكررت ورائها التسبيح و أمنت على دعائها لي و نمت
منذ وقت طويل لم أحدثها و ربما هذا سر تمنعها على الظهور اليوم ، لكنني لم أعتد منها البخل ، من يدري ربما تأت الآن

أعيد رأسي لوضعه الطبيعي فإذا فبقلق الناس من حولي يزداد ..فقد بدأت المبارة بالفعل ، هذه نغمات الرسائل القصيرة التى تحمل دعوات التوفيق و التذكرة بالدعاء لجيشنا أو فريقنا القومي تنهال على مسامعي ، أتحسس هاتفي و أنظر فيه فربما تأتينى تلك الرسالة التى تحملنى من الهموم أكثر من الاستبشار ،في المرة الأخيرة جائتني الرسالة و كنت أشعر بداخلي أن فريقنا لن ينتصر ، ظل قلبي يخفق طوال المباراة رغما عنى و بالفعل لم ننتصر و لم أحمل البشرى لهؤلاء الذين كانوا يتوسمون في الفأل الحسن ، أنظر إلى الهاتف فلا أجد الرسالة هذه المرة فأحمد الله الذي أزاح هذا الحمل عني

تصل العربة إلى نهاية الطريق أخيرا ، يتهلل وجه الناس لقرب وصولهم إلى بيوتهم ليجلسوا على الأريكة الناعمة أو ربما الخشنة وليشاهدوا حلمهم يتحقق بأيدي غيرهم بينما يحتسون أكواب الشاي -غير المضبوطة-
أنظر إلى السماء بينما أنزل درج العربة فأراها تظهر من بعيد " سعاد" ها قد أتت يتلألأ نورها المتردد من بعيد غير مبالية بنور القمر الساطع ، فهي تعلم جيد أنني أفضل نورها المتردد على نور القمر الواثق و أتفائل بقدومها عن قدومه بالطبع

إذا سيكسب فريقنا القومي المباراة و سيتحقق الحلم .. حلم الناس


٢٠١٠-٠١-٣٠

ع السريع ...نكش فراخ :))



يوم الثلاثاء القادم 2-2-2010 إن شاء الله حفل توقيع كتاب نكش فراخ
(مجموعة قصصية مشتركة لمجموعة من الشباب أنا من ضمنهم)
الكتاب جديد و مختلف لأنه بإخراج فني جديد
في مكتبة البلد الساعة سبعة
بس خلاص :))

٢٠١٠-٠١-١٦

برد الشتاء




أكره الهاتف كرهي لبرد الشتاء
و أحب الشيكولاتة حبي لبرد الشتاء
و أحب برد الشتاء و أكرهه
أحبه لأنه يحرك في الناس الحنين للدفء و الاقتراب بالصورة التى لا تجعل للهاتف داعيا
و أكرهه عندما ينهزم فيه الاحتياج للدفء أمام مجرد كوب من شيكولاتة


٢٠١٠-٠١-٠٧

على أعتاب العاشرة


تحكي الأسطورة
أنه في العام التاسع ...يتخلى الصابرون عن صبرهم
يتمرد المستسلمون على تسليمهم بالأقدار الواقعة لا محالة
يخوضون التجارب غير المحسوبة ، و يخطئون كما لم يخطئوا من قبل
تنطلق ألسنتهم بكل ما كانوا يكتمون في التسع العجاف
يأتون بكل ما كانت تنكره عقولهم على الآخرين
و عندما تنقضي السنة التاسعة
ينتفضون فجأة
انتفاضة تشبه صحوة الموت
أو العاصفة التى تسبق السكون
ثم يعودوا مرة أخرى لما قبل السنة التاسعة
هادئون هادئون هادئون
لنفس الركن الصغير
ركن المستسلمين
يعودوا ليتمنوا أن تحمل لهم السنة العاشرة
ما يحرك فيهم الساكن مرة أخرى
و يحيي الميت الذي كان يثير الصخب
في السنة التاسعة


٢٠٠٩-١٠-٠٤

بارانويا


"أنا ....سيد هذا الحي بأكمله"
لا يغركم مظهري المهمل ..فهذه ملابس العمل ... و لا يغركم جسدي الضئيل ...فقوتي و سلطتى مختزنتين في عقلي ...أنا أدير هذا الحي في الخفاء ... لا أحد يعلم دبيب النمل فيه مثلي
عندما أتيت إلى حي المغربلين منذ ثلاثة سنوات لأعمل في عطارة الحاج فوزي لم تكن العطارة بهذا الشكل و لم يكن الحاج فوزي قد افتتح الفرع الآخرفي حي الحسين بعد ...كان دائم المكوث في المحل و لم أكن أنا على كل ذلك العلم الغزير بأحوال و طبائع الحي و سكانه بل و السائحين القادمين له من كل مكان
ثلاثة سنوات كانوا كافيين لأن أتعلم أربع لغات غير العربية و أن أتعلم وصفات الطب و السحر و فك الأعمال السفلية ...ناهيك عن أنني كنت أحد الأفذاذ في مادة الكيمياء في الثانوية العامة قبل أن اترك الدراسة و آتي للعمل هنا في هذه العطارة ...ألم أقل من قبل أنني مختلف
هم لا يعلمون ...لذا فأنا اتصرف في أمورهم بحرية كبيرة ... اتغلغل في تفاصيل حياتهم بشكل غير ملموس ...أحركهم كالعرائس كما يحرك الحاوي العرائس القطنية في المولد
" واد يا جعفر ... ابعتلى نص كيلو كمون مع سعيد"
" حاضر يا أم سعيد"
أجل أنا هذا الجعفر الذي تناديه تلك البدينة الخرقاء ...تبا لهم جميعا يعاملونني كالصبي رغم أنني تخطيت العشرين منذ حوالي شهرين ...حتى شاربي العريض الذي أطلقه كي يعرفون سني لا يمنعهم أن ينعتوني بصفات الصبية و عمال المحال كل ذلك لأن جسدي صغير نحيل... هم بسطاء لدرجة أنهم لا يعرفون كم أتحكم في حياتهم ... بسطاء بحق
" رشة من ورق الليمون المجفف على البخور الهندي العتيق ستأسر قلوب سكان الحي و السائحين"
لا تتعجبوا ..فأنا أعرف تأثير تلك الرائحة على كل فرد منهم ... ستسري الرائحة في الشارع الضيق الطويل و سيتعرج طريقها بتعرجاته و انحنائاته ....ستدخل من فتحات المشربية التى تجلس ورائها هند طالبة الحقوق في الدور الثاني التى تحب ا/ ماهر مدرس اللغة العربية الأرمل الذي يعول اثنين من الولاد ... ستفتح المشربية كي تسمح للرائحة أن تملأ غرفتها ثم تلقى نظرة على الدور الثالث في البيت المقابل علها تجده ثم تغلق المشربية بميل مرة أخرى كعادتها
ستسري الرائحة أيضا حتى تطال أم عماد في البيت التالى ...أم عماد بطبيعتها شريرة لا تحب الخير لأحد و أنا أتعامل معها كما يليق بشيطان صغير أعطاه الله أسرار الأعمال السفلية و تراكيب السحرة المخضرمين ... ستتذكر أم عماد أنها لم تقم اليوم برش المياة الممزوجة بالخلطة التى اعطيتها اياها منذ اسبوع لترشها أمام بيت أم أنور جارتها الثرية التى تدعي الفقر زوجة الحاج عبيد صاحب محلات القماش ..
ستخرج أم عماد على الفور لتلقى بالجردل أمام بيت أم انور المقابل لبيتها ثم تدخل على الفور

أم أنور أيضا تعتمد على الخلطة القديمة التى أعطيتها اياها منذ سنة و هي تستخدمها كبخور للتحصين ...إلا أنها لا تعلم أن خلطة أم عماد مفعولها أقوى شريطة أن تمر هي عليها سبع مرات

اليوم هو اليوم السابع لكن أم أنور لم تخرج من بيتها منذ يومين الأمر الذي سيؤجل النتيجة التى انتظرها بفارغ الصبر... يبدو انها قد رأت ام عماد و هي ترش المياه في احد المرات
من المؤكد أن الحي سيقلب رأسا على عقب بعد أن تكتشف أم أنور ما فعلته جارتها ...ترى بأي ضرر سيأتى العمل على بيت أم أنور ... هل ستتحطم سيارة الحاج أم ستطلق ابنته التى لم تتم عامها الثاني في الزواج ... سنرى ..أيا كان الأمر فيدي الحريرية لن تخرج منه ..

عموما ...على أن أرقب جيدا فربما خرجت أم أنور اليوم و ينتهي فضولي و أرى ثمرة ما فعلت

في وسط النهار يأتيني أ/ماهر تتصبب وجنته البيضاء بالعرق ممسكا شنطته عائدا من المدرسة و في يده احد أولاده يسألني
:
-
" ما عندكش حاجة للصداع يا جعفر ...بقالى يومين دماغي هتنفجر"
أفرغ له بعض الأعشاب في كيس صغير و اعطيه له قائلا :
- " اغليه و سيبه يبرد و اشرب منه كوباية كل يوم .. و ادعيلي"
- " حسابك كام"
- " خلى يا أ/ماهر، تلاتة جنيه و نص"
- " ماشي يا سيدي بس لو الصداع ماراحش هاجي اخدهم منك "
- " هيروح ان شاء الله"
كم هو طيب ساذج هذا الأستاذ لازال يشك في وصفاتي بعد كل هذه التجارب ... إذا غدا يعرف كما بقية الحي كم لعبت بحياتهم

أما عن أم أنور ... لم يزل باب بيتها الحديدي مغلق كما سجن تحبس نفسها فيه خوفا ...تستعين على الأعمال برائحة البخور الرخيص التى ملأت الشارع الضيق بها حتى غطت على رائحتى ...هذه المرأة تستجدي عدائي دون أن تشعر ..تبا للسذاجة... لو اتتني تلك المرأة لأعطيتها خلاصة لم أعطها لأحد من قبل حتى تبطل سحر أم عماد الشريرة و ترده عليها وبالا ...لكنها لم تأت ..إذا فأبق في صف تلك الحيزبون أم عماد حتى نرى ماذا سيحدث
في المساء يأتي أبو أنورينزل من سيارته معتدلا ببنيته القوية لم يمسه سوء ...سيارته كما هي ..ابتسامته لا تفارق وجهه الممتلئ .. يفتح الباب المغلق من الصباح و يدخل في سلام ..متى اذا يعمل السحر؟؟

في الغد تتكرر كل الأشياء .. أغمر أنا حي المغربلين العتيق برائحة البخور المنبعثة من العطارة لتصل إلى آخر الحي .. يتفاعل معها أهل الحارة كعادتهم ... تخرج أم عماد لتلقى بالمياه .. وحدها أم أنور لا تتفاعل مع الأمر إلا بروائح البخور الرخيصة
إلا أن شيئا ما يحدث
فأ/ ماهر يبدو عليه الإعياء يوما بعد يوم ... فبعدما كان يشكو من الصداع ، هو الآن يأتينى كل يوم ليشكو من أمر جديد ... فتارة يشكو من وجع المعده و تارة يشكو من القاولون و تارة يعاوده الصداع ... سبعة أيام متواصلة حتى انقطع عن العطارة ....يبدو أنه قد فضل الطبيب ... هكذا المتعلمون ... لايثقون في أعشابنا و ان اظهروا لنا العكس
-" خير يا أ/ ماهر عملت ايه عند الدكتور"
قالها الحاج سيد و كأنما يتعمد أن يقولها بصوته العالى كي يقرع آذاني بها...
- " مفيش قالي ماعندكش حاجة"
- " طب و انت حاسس بايه دلوقتي"
- " بطني بتتقطع من التعب يا حاج سيد"
خرجت من المحل بعدما شعرت ان الطبيب خذله ليعود لي مرة أخرى فقلت له
" الاعشاب دي هتريحلك معدتك يا أ/ماهر و ماتاكلش من برة"
- " و لا من بره و لا من جوة يا جعفر هو المرض مخليني عارف آكل حاجة؟ ده حتى الدكتور بيقولى ان عندي تعب نفسي"

"نفسي " لم تمر الكلمة على أذني مر الكرام ...فنحن المشعوذون لنا تراجمنا الخاصة لكلمة نفسي عندما يقولها الطبيب ... اذا فهذا الرجل " ملبوس" ...أه ... هل فعلتها أنا دون أن أدري؟؟ أجل ان أ/ ماهر يخرج كل يوم في نفس توقيت رش المياة الذي تقوم به أم عماد ... و هو بطبيعة الحال يمر على بيت أم أنور في طريقة للعمل... آه لقد خانني شيطاني اللعين و فعلها بذلك الرجل المسكين "
" لابد أن أفعل شئ " حدثت نفسي طيلة الليلة ...لم أنم طوال الليل لأفكر بهذا المأزق الذي وضعني فيه شيطاني بمعاونة شيطان أم عماد
جالت بذهني كل الافكارحتى اعين ذلك الرجل المسكين ... ترى هل اعطيه الدواء في صورة اعشاب كالعادة .. و لكن الدواء هذه المرة قد يكشف أمري ...أنا أعلم تركبيه جيدا ... هذا العشب الذي يخرج الأرواح الشريرة لابد له من أن يجعل المريض ينبس بحقائق لم يكن أحد يعرفها ... و ربما تمتم أ/ماهر بحقيقة الأمر و فضحت أنا على مرأى و مسمع من الحي كله ...لا ليس الآن وقت أن يعرفوا ...سيكون خطئا كبيرا
اذا ...اتركه ليلقى مصيره ... و ما الذي وضعه في هذا المأزق غير انه ساذج لا يأخذ حذره ....لا لا انا الذي فعلتها بمعاونة تلك العجوز الشريرة ..لن اتركها تنام في بيتها هانئة هي و غريمتها و هذا المسكين يتضور ألما حتى و ان كان ساذجا مثلهم ... الأمر محير بحق...
و مع نور الصباح بينما تتسلل اشعة الشمس على استحياء تتلمس طريقها في حي المغربلين كانت الفكرة كانت قد تبلورت في ذهني
" و لم لا... أجل .. سأفعلها و إن كلفنى الأمر الكثير ... سأنتقم منهم جميعا و انقذ ذلك الرجل المسكين"
فتحت أبواب المحل ... أخذت في رص الأشولة خارج المحل كعادتى ... الكل نيام لا يزالون ... لم يخرج أحد من الحي بعد ... سأطهركم و أطهر نفسي من كل الأرواح الشريرة التى تحوم بنا ....
أحضرت وعاء البخور الكبير و وضعت فيه البخور الهندي باهظ الثمن حليته بأوراق الليمون المجفف ... ثم أشعلت النار فيهما ... انبعثت الرائحة كعادتها و لكن قبل أن تصل إلى البيوت كنت قد شبعتها بالعشب الذي سيداوي ا/ ماهر ... أجل سيطيب الرجل الآن ... سيهذي بأشياء كثيرة ربما منها أنني أنا الذي وضعت له السحر في الطريق .. أجل سيسمعه الجمع و هو يقول ذلك و لكن لن يلتفت اليه أحد ...أتدرون لم؟ ... لأنهم جميعا سيهذون مثله ... ستخرج من هذا الحي كل أسراره الدفينه طيلة سنوات على لسان سكانه
ستعترف أم عماد أمام الجميع انها كانت تدبر المكائد لأم أنور و ستقولها هند لأ/ ماهر أمام كل الناس أنها تحبه و سيروي عم سيد كيف كان يسرق بيوتهم في شبابه ... سيندهش الجميع و لكنهم لن يتذكروا شيئا واحدا ...سيقضون يوما كاملا من الهذيان الممزوج بالحقيقة ...سيتطهر الجميع مع كل نسمة يتنفسونها من رائحة أعشابي .... سأفعل بهم كل هذا دون أن يشعروا
...
و سيأتون غدا كصفحات بيضاء لينعتوني مرة أخرى بصفات الصبية دون أن يعرفوا كم أنا عظيم .......

٢٠٠٩-٠٧-٠٧

ما بقي منى



لن أستجديكم ثانية
و الآن أنتم تعرفون جيدا أين ستجدوني
ستجدوني
في كل زهرة حملت للناس عطرا فاقتلعها عاشق نزق من جذورها ليهديها لحسناء عابثة تركتها فذبلت
لكنها لازالت تحمل ذلك العطر لكل عشاق الأرض
ستجدوني في كل جرح لاقاه ثائر من أجل الحرية
حرية كل من في الأرض
ستجدوني في كل شجرة حرمها البستاني من ثمارها و تركها لخشونة الجذوع و مناقير العصافير من أجل بعض من الأموال مدعيا أنه بذلك يخدم البشر
ستجدوني في الرياح التى لا تحتمل البقاء مكانها لأن من أحبتهم لن يذكروها بعد أن يستنشقوا عطرها ..فقط سيزفرونه غير مبالين ليستنشقوا غيرها
ستجدوني في كل طير مسافر من أجل الحرية ...يبحث عنها في شتى بقاع الأرض رغم علمه أنها هنا في قفصه الحريري ... و لكن صاحب القفص نسي أن يحكمه كي لا تتسل إلى طيره الثعابين
فلترحلوا أنتم أو أرحل أنا ...هي تفاصيل شكلية
و لتتركوا لي ما تبقى مني
عطر الزهرة الذابلة
أمل الثائر المجروح في الحرية
ثبات الشجرة المنكسرة
سخاء الرياح
تغريد الطيور المجروحة
عل هذه الأشياء تنسيني صوركم المطبوعة في أحلامي و في صحوي ...في وجهي المنعكس في المرآة ..حتى في وجه أمي الحنون
علها تنسيني أصواتا كانت تحمل أوهام الشاطئ لذلك الغريق الذي كان يتعلق بأخر جذع في طريقه
علها تمحي من ذاكرتي أنني كنت أحمل لكم قلبا قد فاض فيه الشوق فأغرقه
علها تمحو ذاك القلب لتستبدله بوعاء يحمل هموم البشر دون تعاطف أو اشفاق
علها تمحيني و عطوركم التي لا تفارقني
لن أندم
فالندم لا يعرفه إلا المقبلين على الحياة الذين يرون فيها المزيد و ينخدعون بآمالها الخداعة
أما أنا فيكفيني منها ما رأيته
يكفيني
فلأمضي أنا و العطور
و لتبقوا أنتم لتروني كل يوم في كل ما حولكم متسائلين
" ترى هل رأينا هذا من قبل؟"
و الحق أنكم لن تذكروا

٢٠٠٩-٠٦-١٣

حبيبتي ...في غيابك


عندما اخترت أنا الرحيل و البعد عنك
كنا نحمل وعودا و اتفاقات ضمنية
وعودا بأن أعود سريعا
و اتفاقات ضمنية بيني و بينك أننا لن نمرر لحظة الوداع بدموع الفراق
اخترنا ألا يكون وداعنا صعبا حتى لا تكون العودة كذلك
حاولت أنا و أنت التنفيذ قدر استطاعتنا لكن أبي أبى ذلك
كلانا صمد لكنه هو لم يستطع
رغم ذلك و رغم وعودي لك ووعودك لي
أعلم أنك تعلمين كم ذرفت من دموع في غيابك و أعلم أنك فعلت المثل إن لم يكن أكثر

حسنا فلننس الأمر و تعالى لأحدثك عما أخفيته عنك طيلة سنة بعدتها
لم أرد أن أشركك في تلك التفاصيل حتى لا ترهقك تفاصيلي
و لأني أعرف قدر اهتمامك بتفاصيلنا
و اعرف قدر تأثرك بما يطرأ علي في غربتي
و أعرف أن ذلك موجع
و أعرف أيضا أنك لست تحتملين وجعا أكثر و لا أكبر
.......................
في بداية الأمر
لم يكن إخفاء مشاعري بالوحشة لك شيئا يسيرا
يومي الأول
عندما تركني أخي في البيت وحدي ليذهب للعمل ليلا
احساسي انى في بلد غريب في بيت غريب بعيد عنك كثيرا
صدمة اني لن أنام بجوارك حينما أريد
صدمة اني لن أراك اليوم ...كانت أول صدمة و بالطبع ليست أول دمعة
أيامي الأولى
قلقي و خوفي و توتري ممتزجين بوحشتك التى لا تنقطع
اشتياقي لحكيك ...لطمأنتك لي ...للثقة التى تمنحيني إياها
كل ذلك لا يجيد "الماسنجر" إيصاله سالما
لكن الحياة كانت تمر على أية حال
و اللحظات الصعبة كنا نتصبر عليها بمكالمة هاتفية أو أن تشاهدي وجهي على شاشة الكترونية أو أشاهد صورك على هاتفي
أمي
في غيابك تغيرت كثيرا
لم أعد تلك الطفلة التى لا تحتمل أخذ القرارات بنفسها بل تشركك في اختيار لون ردائها اليومي
أصبحت أدرك معني قراراتي و عباراتي أكثر
لم يعد العالم بالنسبة لي واحة خضراء كلما رويتها ازدادت
بل عرفت ما تحمله الابتسامات الباهتة للبشر
و ما يخفيه الآدميون وراء عطورهم الفواحة و ملابسهم الأنيقة
-و لن أخفيك سرا أني قد تعلمت منهم البعض-
حتى عاداتي تغيرت
صحيح أني لازلت أسهر حتى ساعات الصباح الأولى
لكنى لم أعد أتأخر في الاستيقاظ -ما كان يغضبك مني-
و ذلك بالطبع له أسباب قوية
أولها : أنى لم أعد أشعر بالأمان في النوم كما كنت في ظلك
تعرفين كم كان حبي للنوم صغيرة لكنك لا تعرفين كم أصبح النوم واجب ثقيل علي اليوم
أما ثانيها :أني لم أعد أتوقع أن تمتد يديك الحانيتين علي ليلا كي تغطيني أو تحملى هاتفي من جواري لتضعيه بعيدا لأنه "خطر أثناء النوم"
حتى أحاسيسي الخفية بأنك هنا في مكان ما تنتظرين صحوي كي أحضر لك فنجان القهوة الصباحية لنسترق دقائق للفضفضة في بداية اليوم ، كل تلك الاحاسيس لم تعد تطمئني بعدما تجرعت صدمات أوهامها في أيامي الأولى
هذا عن النوم
أما عن باقى تفاصيلى...فإليك المفاجأة
أمي في غيابك...أدمنت القهوة
أجل القهوة يا امي
لم تقرئيها خطأ
القهوة التى كانت تسبب لي السهر يومين كاملين إن حملنى فضولي يوما و رشفت من فنجانك رشفة أصبحت اليوم ملاذي الوحيد مع مشاكل النوم الذي حكيته لك سالفا
الحقيقة .. أن مقاومة النوم ليست هي السبب الوحيد
هناك سبب آخر نفسي
اكتشفته عندما تفاجأت بنفسي عدة مرات اتذكرك كلما اشتممت رائحة القهوة
كان هذا هو رد فعلى لوحشتك و شوقى اليك
أعلم انك تغضبين من ادمانى للقهوة
و لكن عذرا أمي .. فالاشتياق اليك يثبت كل يوم انه اقوى من ارادتي ضد الادمان
.........
بالطبع ليست القهوة وحدها ادمانى اللذيذ ...هناك ادمان آخر
لكنه هذه المرة ليس مفاجأة لك ... الانترنت
لكنه اليوم اتخذ شكلا جديدا
إن كان يأخذ من يومي نصفه قبل ذلك .... فالانترنت اليوم هو يومي كله
لسبب بسيط لأنه الآن هو العالم بأسره
أن يصبح عالم و علاقاتي بأهلى و أصدقائي و حياتي كلها رهن لسلك إما متصل أو منقطع .. احساس ليس بهين على أي انسان
لقد تغيرت يا أمي
وحدتى جعلتنى اجلس مع نفسي التى كنت أهرب من الجلوس معها
أصبحت الآن أجرأ على أن أعترف بكل عيوبي دون خجل
و أصبحت أيضا أقوى أن أذكر مميزاتي دون تواضع
اتخذت قرارات اتمنى أن أكون بالصلابة التى تجعلنى أنفذها بعدما تجرعت مرارات أخطائي
كل ذلك حدث في غيابك
ربما تتسآئلين الآن لماذا أذكر لك كل هذا ؟
أتعلمين لم يا أمي
ربما
حتى تكون هذه التفاصيل ذكريات جميلة نتذكرها سويا أنا و أنت بينما نحتسي فنجاني القهوة الصباحية في أيامنا القادمة إن شاء الله
............
على الهامش : أستعد للعودة النهائية لبلدي مصر خلال أيام إن شاء الله