تلك الفتاة ، تحتفظ في خزانة ملابسها بفستان لم تلبسه بعد ، يقبع الفستان في غلاف من البلاستيك خشية الأتربة و الزمن ، ينتظر الفستان حتى يمل ، لكنها أبدا لا تمل النظر إليه كل صباح .
الوقت يمر ، لا تشعر ..يقول الناس أن الوقت يأكل من أعمارنا ، هي وحدها تؤمن أن اللحظات التى تختزنها لها الحياة ستكون حياتها الحقيقة و أن العمر لم يبدأ بعد كي يتآكل !!
كانت تسقى شجرتها كل صباح ، لكن الشجرة لا تثمر ، لا يخرج منها إلا أوراقا خضراء في الربيع، تصفر الورقات في الخريف ، تذبل و تموت .. تكتب على الورقات الذابلة " سوف تولد من ثراك ورقات لا تذبل "
الحزن يخيم بالبيت في أوقات الشتاء ، لكنه هذا الشتاء أبى إلا أن يصنع بحياتها فارقا تقسم به أن الحياة لم تكن مفرحة قط ، تموت الأم و تزال الشجرة كي يتسع الشارع للسيارات ، تنظر للسيارات كل يوم .. " كم من الأحياء قتلتِ كي تمري أيتها التوابيت المتحركة"
تشتري عصفورا صغيرا ثم تطلقه بعد يومين ، تتعجب ممن يحبسون العصافير في سجون من الحنان المزيف ، تضع الطعام على سور الشرفة فتأتيها أسراب العصافير ، تأكل العصافير حتى تشبع ثم تطير في فضاء الله
و في يوم من الأيام يمرض العصفور الأبيض فيختار شرفتها مكانا للاستشفاء ، لم تكن يوما طبيبة و لا تعرف كيف تعالج المرضى من الطيور ، و لكنها كانت تخشى الفقد مرة أخرى ،كانت ترى في عينيه ألم أمها الراحلة ، تسهر بجواره تأتيه بما استطاعت من العقاقير التى عرفتها من جارتها ، يشفى العصفور ثم يطير مرة أخرى
يأتيها العصفور في اليوم التالى بعقد من الزهور ، تضع العقد بجوار الفستان ، يروقها المنظر ، فتقرر أن تلبسه مرة واحدة كي ترى مدى ملائمته ليوم بهجتها المنتظرة، يزيد العقد من جمالها و جمال الفستان
تخرج من أدراجها اسطوانة لسيمفونية الرقص التى كانت تدخرها أيضا ، تشرع في الرقص وحيدة ، يعلو صوت الموسيقى فتنساب معها في جنبات المنزل ، تشعر أنها أميرة من أميرات القرن السابع عشر تنتظر حبيبها الفارس المحارب ، تخرج في الشرفة كي تستكمل رقصتها مع العصافير .. ينفرط العقد فجأة و تتناثر زهوره في الأرض.. فيخيم الصمت
يعود الفستان إلى مخبأه ، يأتى الشتاء قارصا فتغلق ستائر الشرفة ، تهاجر الطيور
يأتى الربيع متأخرا ، لكنه على كل حال يأتى .. تفتح الفتاة باب الشرفة ، استوحشت الطيور ..تنظر إلى السماء الصافية ، لم تعد الطيور بعد لكن رائحة المكان قد تبدلت ، العبير يأتى من كل مكان .. فقد أنبتت زهور عقدها المنفرط بستانا في الأرض
هناك ٣ تعليقات:
حلوة أوى
أوى
وموجعة أوى برغم عدم مباشرة كلمات الحزن فيها
عملتيها حلو اوى باحترافية بحييكى عليها
" كم من الأحياء قتلتِ كي تمري أيتها التوابيت المتحركة"
" تتعجب ممن يحبسون العصافير في سجون من الحنان المزيف"
جميلة قوى وفيها أمل ورا احساس الوحشة والوجع
تحياتى
اعجبتني .. استمتعت بقراءتها كثيرا ..
سعيدة بمرروي هنا ..
دمتي بخير .
إرسال تعليق