٢٠١٠-٠٥-١٢

شيخوخة مبكرة



لأن مأساته كانت أكبر و أعمق من أن يصفها لمن حوله كان يكتفي بالصمت و التأمل ، كان يعتمد على الذكريات التى ستستعيدها هي عندما يكبرا في السن ، لم يكن يعبأ بكونه سيعيش عمرا طويلا وحده بعد أن اتخذ قراره بالوحدة الاختيارية بعد انفصالهما .

و عندما علم بزواجها من آخر بعده ، كان يعرف أنها سوف تندم يوما ما بعد أن يغزو الشيب رأسها و تنحني قامتها قليلا ، وقت أن يتركها ذلك الآخر لأي سبب يترك الرجال من أجله زوجاتهم في سن الشيخوخة ، كان يعرف أنها ستمر بلحظة تتذكر فيها أمنياتهما سويا بأقداح الينسون المشتركة قبيل الغروب و جلسة ينتظران فيها هاتفا يحمل خبرا جميلا أو ربما عاديا عن أحد الأبناء و وجهه الملهوف و هو يذكرها بموعد الدواء ، كان يتمنى أن تتذكر كل هذه الأمنيات التى وعدها بها .

و لكنه لم يكن يتوقع أن يضن عليه الزمن حتى بذكراها له ، فقد قرأ اليوم نعيها في صفحة الوفيات ، ماتت قبل أن تذوق طعم الشيخوخة .

٢٠١٠-٠٥-٠٧

تضامنا مع يوسف زيدان



في واحد من المواقف الغريبة للنائب العام إحالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بلاغ نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان ضد الدكتور يوسف زيدان مؤلف رواية عزازيل إلى نيابة أمن الدولة العليا لاتهامه بازدراء المسيحية.

إلى متى سيظل الإختلاف فيما يتعلق بالفكر و الآراء يقابله بلاغات و اتهامات و حبس ؟ أللأفكار سجون تحبسها أم للفكر معاصم نستطيع تقييدها بأساور من الحديد ؟ الأمر مضحك مبكي و مخزي أن يكون الأمر لازال في بلادنا يدار بهذه الطريقة الجوفاء .

عندما قرأت عزازيل كنت قد سمعت عنها من قبل ، الحق لم أسمع بالضجة الكبيرة من قبل الإخوة المسيحيين و إنما كنت قد سمعت عن روعة الأسلوب و جمال الصورة و عمق الرواية مما أثار شهيتي لقرائتها ، و بالفعل قرأتها و شعرت بكل ذلك ، أنجزت قراتها في وقت قياسي بالنسبة لي لأنها مشوقة بحق ، جعلتني أترك النوم لأكملها بشغف و الحق كانت تستحق .
أدخلتني الرواية في حقبة زمنية لم أقرأ عنها من قبل و فتحت أمامي بابا لم أكن أراه من قبل ، باب اكتشاف تاريخنا العريق الملئ بالاحداث و الحوادث التى لابد لنا من أن نعرفها لا أن نهاجم من يفتش فيها و يخرجها لنا لنراها .
أشعرتني الرواية أنني كنت أنظر بنظرة سطحية للديانة المسيحية و أنني لا اعرف عنها الكثير و لا عن تاريخ دخولها لبلادنا الأمر الذي لا يقل أهمية عن معرفتى كمسلمة مصرية لكيفية دخول الإسلام لمصر كلاهما تاريخا لابد لي من أن أعرفه جيدا .
فتحت الرواية أفقى لذلك العالم المحجوب عنا كمسلمين -عالم الكنيسة و الأديرة و ما يدور فيها و ما قد يدور فيها قريبا مما يدور في قلوبنا و عقولنا كمسلمين - الراهب الذي يبحث عن الحقيقة و يعمل عقله في كل تفاصيل دينه كي يستفهم الكثير ،العامة الذين يتحركون خلف الشعارات الرنانة لأي خطيب مفوه ، الإنسان الذي يحمل في طياته الخير و الشر معا ، القديس الذي يتحول شيطانا في وقت ما ثم يعود ملاكا يذرف الدموع من أجل أن يرضى عنه مولاه
كل هذا و الكثير حملته الرواية التى يحكم عليها بعض المدعين بأنها ازدراء للمسيحية دون تعمق في مغزاها و معناها ليتركوا واحد من المبدعين في بلادنا ليستجوبه رجلا في النيابة ربما لم يقرأ الرواية أو يسمع عنها من قبل و ربما يسأله : ترى من تقصد بهيباتيا التى قتلها العوام على قارعة الطريق ؟ أهي المواطن المصري الذي قتلته الحكومة ...اعترف؟ أي هراء هذا !!!!!

في الحقيقة أنا ممتنة لكل من كان وراء هذا القرار أو من سعى إليه : أولا : لأنه جعلني أكتب عن رواية تركت في أثرا كبيرا
ثانيا : جعلني أمضي وقتا ممتعا على اليوتيوب أستمع للكثير و الكثير من حلقات دكتور يوسف زيدان التى أثرتني بالفعل عن الرواية وعن نظرته لأمور عديدة زادت من تقديري واحترامي له
ثالثا: كشفت لي و للكثيرين غيري عن قناع جديد كانوا يلبسونه هؤلاء المدعين بحرية الابداع و الفكر
أشكركم بحق
و لا عزاء للمبدعين

صفحة التضامن مع الدكتور يوسف زيدان على الفيس بوك

تدوينة أستاذ أحمد شقير عن الخبر

٢٠١٠-٠٥-٠٥

استفزاز يومي



روش
طحن
كبر
نفض
احلق
مزة
فرسة
آخر حاجة
في كل يوم نفاجأ بكلمة دخيلة على قاموس حياتنا
كلمة جديدة
لا أزعم أنني لا أتعامل بهذا القاموس في بعض الأحيان إلا أنني في كل يوم أكتشف ان القائمة تزداد و كل يوم تنضح علينا بأمثلة جديدة للقبح ،
من أكثر الكلمات استفزازا لي شخصيا كلمتي "مزة" و كلمة " آخر حاجة"
للأسف الكلمة الأولى تستخدمها البنات أكثر من الشباب بشكل مستفر و تقليد أعمى دون تفكير في المعاني و المحامل القبيحة التى تحملها الكلمة
أما الكلمة الثانية فهي تعطيني انطباعا لا يمحى بسهولة عن تفاهة الشخص المتحدث بها ، أشعر أن من يقولها يريد أن يعلمني أنه مطلع على آخر ما وصل له القاموس من كلمات و إن لم يكن لها أي معنى أو فائدة
فكلمة كبر أو نفض بالرغم من تدنيهم أيضا إلا أن فيهم اختصارا ما أو وصفا لفعل ما دون الحاجة إلى التحليل و التفسير أما هذه الكلمة الغربية " آخر حاجة " فلا تعني إلا أن من يقولها - مش عارف يقول على الآخر أو قوي أو جدا- تلك الكلمات الأبسط و الأوضح
يعني البيه ثقافته ألمانية فبيتكلم عربي مكسر مثلا ؟!!
و لهؤلاء أقول:
من تطور بغير طوره فدمه هدر

٢٠١٠-٠٥-٠٣

في فضيلة الصمت



أعترف أنني أصبحت أكثر هدوئا ، أكثر تقوقعا و إن ظهر للناس العكس
أكره الهاتف ، أكرهه بحق و أعتذر للتنمية البشرية و مدربيها الذين يصرون أن الكتابة هي أضعف الوسائل للتواصل مع البشر عن كفري بكل ما يقولون و ضربي به عرض الحائط ، هكذا أنا و إن حاولت التغيير ، آخر من يجيب الهاتف المنزلي في بيتنا و آخر من يجيب هاتفي الخاص أيضا ...
في كل عام تأتيني أوقات للتقوقع أفضل فيها الصمت و أؤثره عن أي كلام و إن كان مفيدا ، فالصمت كبرياء كما قال نزار و الصمت صمود أمام الهموم المتكاثرة كما أراه و الصمت مراجعة و تأمل و الصمت حب لكل البشر و إرادة من داخلك أن يحبك من حولك دون إفصاح و أن يتغاضوا عن كل سيئاتك.
أصدقائي عن طريق الكتابة هم الأقرب و الأنقى ، أرى نفوسهم أو ما يتمنوا أن تكون عليه نفوسهم بعيدا عن وجوههم أو طرق إلقائهم التى ربما تكون معوقا لكلينا في التواصل ، و في لحظة معينة عندما نقرر أنه لابد لنا من اللقاء ، نلتق فنجد أنفسنا و كأننا أصدقاء من زمن طويل و نقرر أن نظل هكذا أصدقاء أرواح في الغالب مع بعض الاستثناءات وقت الحاجة.
أصدقاء روحي هم الأكثر حظا من دعائي بظهر الغيب هم أيضا يدعون لي كثيرا و يحلمون بي كما أحلم بهم ، نتبادل الأحلام و الأمنيات ، نتبادل القلق و التفاؤل و حين يؤثر أحدنا الصمت و التقوقع يتفهمه الأخرون دون أي عتاب.
أما شركاء الواقع هؤلاء الذين لا يعرفون عن فضائل الصمت الكثير ، يتعجبون يشفقون و يحاولون التفهم من بعيد دون جدوى فيجبروني على الخروج من محرابي لأمارس طقوسا يومية مجوفة في انتظار موسم جديد من مواسم الصمت.

"بلغنا ان الحكمة عشرة أجزاء تسع منها بالصمت والعاشر في عزلة الناس".وهب ابن الورد

٢٠١٠-٠٥-٠٢

أفئدة الطير



لازلت أذكرها تلك السيدة البسيطة التى قابلتها في الحرم المكي أمام الكعبة قبيل صلاة الفجر منذ عام تقريبا ، كانت مصرية بسيطة تذكرت فيها أمي التى كنت قد ابتعدت عنها لظروف سفري من قبل ذلك التاريخ بشهور ، جلست بجواري ثم ابتسمت في و جهي و كأنها تعرفني منذ زمان كان وجهها منيرا رغم سمرة بشرتها ، كان يبدو علي الارهاق و قلة النوم فأشفقت على من أن يغالبني النوم فأخذت تتحدث معي بضع دقائق حتى رفع الأذان.
لم يخل حديثها من الدعاء و الذكر بالرغم من أن موضوعه الأساسي دار عني و كيف أتيت و ماذا أعمل ، لكنها كانت تتبع كل جملة بالحمد لله و الدعاء و كنت أؤمن على دعائها في خشوع.
دعت لي كثيرا و أسدت إلى العديد من النصائح ، دعت لأبنائها مثل ما دعت لي ، صلينا الفجر متجاورين ثم أوصتني و كأنما توصي واحدة من ابنتيها التى حكت لي عنهما ثم استودعتني الله ورحلنا.
كلما اشتقت للزيارة مرة أخرى- كما أنا هذه الأيام- تذكرتها ...اللهم أكرمها و أعزها
و ارزقني و كل مشتاق الحج و العمرة لأدعو لها كما دعت لي دون أن تعرفني أمام بيتك الحرام

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير"أخرجه مسلم

-أحسبها منهم و لا أزكي على الله أحد-

٢٠١٠-٠٥-٠١

و هزي إليك بجذع النخلة



لست عالمة في تفسير القرآن و لا حتى طالبة علم فأنال شرف تفسير الآية و لكنى سأعرض عليكم فهمي البسيط لها كما سمعتها من علماء للتفسير و دعاة أثق في آرائهم و كما أفهمها
أتذكر هذه الآية كلما اشتدت عليّ أمور الحياة و كلما شعرت بأنني مرهقة و أنه لابد لي من الراحة و تقليل الأعباء التى أحمل نفسي بها ، أو كلما قارنت نفسي بأناس آخرين لا يحملون الهموم و لا المتاعب و لا يضعون أنفسهم في مواجهة المسئوليات

بسم الله الرحمن الرحيم
(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم: 23-26].

في موقف كهذا امرأة طاهرة مطهرة اختارها الله لتحمل نبي الله و كلمته و لكنها حزنت حزنا شديدا لخوفها مما سيقوله الناس عليها ثم تنتبذ به مكانا قصيا حتى لا يراها الناس ، كل هذا العناء و يأمرها الله بعد ذلك بأن تهز النخلة حتى تطعم ، أليس الله بقادر على أن يجعل الطعام يأتيها دون أن تبذل هذا الجهد ، أليس الله بقادر على أن يجعل الرطب تنزل عليها دون أن تهز هي النخلة؟ بلى فالله قادر على كل شئ سبحانه
و لكنه سبحانه و تعالى أراد أن نتعلم من قصة السيدة مريم أن الحياة لم تخلق للراحة و أن الدنيا لا تأت إلى غلابا ، و أن التعب و النصب جزائهما عند الله و لكن بعد أن نبذلهما رخيصين انصياعا لأوامره جل و علا
و سبحانه يجعل في كل أمر سرا خفيا بل أسرارا لا نعلمها
فبعد مئات السنين تكشف دراسة أمريكية أن أن التمارين الرياضية مهمة للأم الحامل

* ترى دراسة حديثة أن ممارسة الحامل للتمارين البدنية قد تحسّن صحة الجنين وتساعد في منع وفيات المهد. وتقول ليندا مي، من "جامعة كنساس سيتي"، التي قدمت الدراسة في مؤتمر "علم الأحياء التجريبي"، الذي انعقد في نيوأوليانز، إن التمارين تساعد في منع وفيات المهد، لأنها تساعد في نمو الجهاز العصبي، حيث يعتقد الباحثون إنه المسبب وراء الظاهرة التي يقف العلم عاجزاً عن تفسيرها أو إيجاد وسائل لمنعها. واكتشف الباحثون أن نبض الجنين في الرحم ينخفض ويتحسن تنفسه إذا ما كانت الأم نشطة بدنياً.

فسبحان من جعل في أربع كلمات درسا لو وعيه أهل الهمم لبذلوا كل هممهم من أجله
فإذا شعرت يوما أنك مثقل بالهموم و الأعباء فلتقف لحظة و لتتأمل أكان موقف أصعب أم موقف السيدة مريم رضي الله عنها ؟ بالطبع موقفها هو الأصعب ..إذا فلتهز النخل و تبذل الجهد و لا تمل فالله عنده رطبا جنيا لا ينالها إلا كل صاحب همة

يقول المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجــــوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن الجبن حزم *** و تلك خديعة الطبع اللئيــــم


* الكلام باللون الأخضر منقول

٢٠١٠-٠٤-٢٨

لم تشف بعد



لا أدر ما هذا السر الكامن الذي يعيد المدمن إلى إدمانه بعد أن يظن انه تعافى لسنوات طوال
أهي اللعنة التى تتركها التجربة الأولى داخل نفسه أم أنه قدره المحتم و طريقه الذي خُط له من البداية
الأمر مرهق بحق
أن تحسب نفسك بمعزل عن كل شئ يقربك من نقطة ضعفك الوحيدة ، أن تبحث عن البدائل و تبذل السنوات في اقناع نفسك
لكنك بعد كل العناء و النصب يغلبك الحنين بمجرد نسمة تمر ، بمجرد ذكرى ، بمجرد كلمة
فتدرك انك
لم تشف بعد

٢٠١٠-٠٤-١٨

ملك سابق


بينما كان يفتح فارس باب المنزل و يتسحب بهدوء مجتازا الردهة الصغيرة ليصل المطبخ كانت سوسن تقف كعادتها في المطبخ تطهو الطعام على أنغام الراديو ، منذ أن تزوجا من ثلاثة سنوات تعود أن يأتي من العمل فيجدها تطهو في المطبخ تستمع إلى انغام الراديو و تدندن معه بصوتها العذب لكنه اليوم لم يسمع الراديو و لم يسمع المحطة التى تحبها ، محطة الأغاني القديمة عشقها و عشقه الذي نما معهما طوال خمسة سنوات من الخطبة و الزواج .

تحرك بهدوء من خلفها كي يفاجأها و رائحة الملوخية تتخلل كل حواسه و تفقده القدرة على المقاومة ، وضع يديه بخفة على عينيها بعد أن كانت بالفعل قد شعرت به فقالت له :" حمد الله على السلامة ، جيت بدري عن ميعادك يعني"

- " وحشتينى ، ما صدقت الشغل خف في المكتب شوية استغليت الفرصة و اخدت اذن، ايه رأيك بقى في المفاجأة دي"

- " كويس و الله"

- " أمال بقى لو قلتلك على المفاجأة التانية..."

- " مفاجأة ايه؟"

- " أخدت أجازة أسبوووع بحاله .. أنا عارف يا حبيبتى ان أعصابك كانت تعبانة الفترة اللى فاتت علشان كنت مشغول عنك ما تفتكريش انى مش حاسس بيكي .. علشان كده انا قررت اننا هنقضى الأجازة دي في الساحل الشمالي و كمان هنروح بالعربية علشان نعرف نتفسح براحتنا هناك ،..مش ده اللى كان نفسك فيه من زمان؟"

- "ايوة لكن اسيب بابا و ماما لوحدهم و اسافر .. مش هينفع"

- " ماحنا دايما بنسافر و نسيبهم ايه الجديد؟"

- " لا انت فاجأتني يا فارس و انا مش مجهزة نفسي "

- " هتجهزي ايه يعني؟ الموضوع بسيط هي هدومى و هدومك و كل حاجة هنلاقيها هناك "

- " أنا مش قادرة و بعدين ..."

- - " ما تشغليش بالك انتى انا كمان ياستى اللى هجهز الشنط ، انتى ماعليكي إلا انك تتكرمى و تسمحيلي أنول شرف الترفيه عنك لمدة اسبوع يا مولاتي .. ياللا بقى انا هدخل أغير هدومى على ما تخلصي الاكل لحسن الملوخية ريحتها لا تقاوم"

دخل فارس غرفته فخلع حذائه و جلس على السرير ، شعر بالارهاق فرجع بظهره حتى رقد على السرير و نظر إلى سقف الغرفة الأبيض متخيلا فيه زرقة السماء الصافيه في الساحل الشمالى و نقاء البحر و سوسن زوجته سعيدة مبتهجة بأمنيتها التى تحققت أخيرا .

في اليوم التالى كان فارس قد جهز كل شئ ، سوسن أيضا كانت مستعدة بالرغم من اعتراضها بالأمس إلا أنها كانت قد استسلمت للأمر و قررت أن تنسي كل المشاغل و الهموم لمدة أسبوع قادم مع زوجها ، ركب الاثنين سيارة فارس الفارهة التى تعلو عن الأرض بقدر كبير ، أسلمت سوسن رأسها للوسادة الخلفية في كرسيها بينما اخذ فارس في استعراض مهاراته في القيادة السريعة التى هو محروم منها في شوراع القاهرة الضيقة و أنغام الراديو، تملأ السيارة بأغاني عبد الحليم و أم كلثوم و نجاة الصغيرة و هما يرددان معها في سعادة بالغة .

و بعد ساعة و نصف من السواقة شعر فارس بالارهاق فقرر أن يوقف السيارة ليرتاحا قليلا عندما لاحت له استراحة الطريق الأولى ، كانت الساعة لا تزال التاسعة صباحا و الاستراحة تبدو من بعيد خالية من الناس تماما ، أغلق الراديو و قال لسوسن : " ياللا ننزل نشوف حاجة ناكلها هنا و نريح العربية شوية"

دخل فارس الاستراحة فوجدها خالية تماما من الناس ، مليئة بالطعام الطازج و الشراب إلا أنها خالية بلا أشخاص تماما و كأن البشر تركوها للتو ، تعجب من الأمر ثم نظر لسوسن التى كان قد كسا وجهها القلق و الخوف ، استدارا ليرجعا إلى السيارة فلم يجداها ، صرخت سوسن من هول المفاجأة فأمسك بيدها فارس محاولا طمأنتها رغم فزعه الذي حاول أن يخفيه عنها ، دخلا سويا الاستراحة ليتفقدا ما إذا كان بها أحدهم ، كانت الاستراحة جميلة نظيفة واسعة الحجم بها جزء مخصص للطعام ، و كافيتيريا صغيرة بها جميع التجهيزات ، و في آخر المطعم يظهر سلم من الرخام يؤدي إلى الدور الأعلى ، صعد فارس في توجس و هو لازال ممسكا بيد سوسن التى كاد الخوف أن يقضي عليها فوجدا الطابق العلوي أجمل بكثير من الطابق السفلي ، في الجزء الأيمن جناح للنوم و كأنه قد خصص لملك من الملوك أو الأمراء بابه مفتوح على مصراعيه و يظهر منه سرير وثير ذو أعمدة مرصعة بالحليات الذهبية أما الجزء الأيسر فعبارة عن فراغ يشبه البهو في قصور العصر العثماني ، كان كبير وواسع عبارة عن مصاطب منحوتة في الحائط ككراسي عليها وسائد وثيرة و في وسطها نافورة مزخرفة من الفسيفساء ، أخذ فارس في التجول في أبهاء الطابق العلوي منبهرا و كأنه قد نسي أنه غريب في هذا المكان .

جلس على الأرائك الوثيرة قائلا لسوسن :" الله ..شايفة قد ايه جميلة، يا ترى الاستراحة دي بتاعت مين"

- " هو ده اللى يهمك دلوقتى شوف احنا هنروح ازاي"

- " و نروح ليه ؟ مانخلينا قاعدين هنا، كل شئ نحتاجه موجود "

- "نعم ، انت اتجننت"

- " اتجننت ليه ، واضح ان المكان ده مالوش اصحاب ، أو اصحابه سايبينه من زمان ، احنا نقضي فيه الاجازة و بعدين نرجع، كل حاجة موجودة"

- " لا انت اكيد اتجننت ، ما تقوم تشوف العربية راحت فين"

- " هه العربية .. أه صحيح"

نظر من نافذة الغرفة فوجد السيارة تقف في مكانها فأشار اليها قائلا :" العربية اهي في مكانها ، احنا نقضي الاجازة هنا و بعدين نرجع "

- " قضيها لوحدك أنا هرجع " قالتها سوسن مسرعة على السلم

أسرع ورائها فارس قائلا : - مش هو ده اللى كنا متعاهدين عليه ، كنتى بتقوليلي هبقى معاك طول العمر ، و كنتى بتقوليلى المهم نبقى مع بعض"

كان يقولها و هو يسرع بالخطوات كي يلحقها إلا أن خطواتها كانت أسرع ركبت السيارة بسرعة و في لحظة كانت قد اختفت من أمامه

- " فارس ..فارس .. قوم الأكل جهز"

أفاق فارس من نومه فنظر للمرآة المثبتة على الدولاب أمامه ، نظر لجسده الممدد على السرير و كأنه يتأكد بأن ما رآه كان حلما بالفعل ، ثم حمد ربه في سره و قام متثاقلا إلى غرفة الطعام

- ياااه أنا شفت حلم غريب قوي الحمد لله انه مش حقيقة

- فارس .. أنا عايزة اتكلم معاك في موضوع

- خير يا حبيبتي

- أنا كنت عند الدكتور النهاردة

أطرق فارس بوجهه متظاهرا بالانشغال بالطعام ثم قال لها :

- ألف سلامة عليكي ، عارفة حلمت بايه؟

- ده رابع دكتور يقول ان العيب مش مني

- حلمت ان فيه ملك و ملكة لقوا قصر في الصحرا و قرروا يعيشوا فيه

- فارس انت عارف ماما و بابا انا بنتهم الوحيدة .. و من حقهم يبقوا جد وجدة

- بس الملكة ما قدرتش تستحمل ..سابت الملك و القصر في الصحرا .. لوحدهم


٢٠١٠-٠٣-١٩

أنا .. الإنتخابية و الجيران


لا أعتقد أن هذا الشخص يعيش في مصر الآن أو يرى ما بها من ازدهار في مجال حرية الرأي و التعبير
و الدليل..لن يرهقك كثيرا إن أنت مشيت في شوار مصر و حواريها لترى كمية الكتب و الجرائد و المطبوعات ناهيك عن محطات التلفاز و الراديو كلها تنتقد في أداء الحكومات و الرؤساء دون أي اعتراض أو توقيف، فالناس تسب الحكومة و الرئيس في اليوم العادي اثنى عشرة مرة و في أيام الكوارث الطبيعية و البشرية المتوالية على مصر فإن السباب يكون قبل الأكل و بعده خمسة عشر مرة على أصابع اليد اليمنى .
كل ذلك دون أن يدخل أحدهم السجن أو يوقف أو يتهم بفعل لم يفعله كما كان يحدث في العصور الماضية ، و كل ذلك و لم نسمع يوما عن ثورة قامت هنا أو محاولة لقلب نظام الحكم قامت هناك ، فالشعب لا يزال يحفظ الجميل لرئيسه الذي قاد في يوم من الأيام قواته الجوية لتحرير الأرض .
صحيح أن هذا الشعب نفسه قد ثار من قبل على الرئيس الذي كان صاحب القرار في الحرب و صحيح أن ذلك القائد قد قتل بيد واحد من الشعب ، إلا أن الشعب بعد أن فقده شعر بالذنب و قرر أن يحافظ على أي شئ أو شخص من رائحة أكتوبر ذلك النصر العظيم ..و الأخير أيضا




يومها ذهبت مدفوعة بجرعة الحماس التي تأتينى من كل مكان بأن صوتي أمانة و حتى يكون لي حق انتخاب من أفضل فلابد أن تكون لي من الأصل "بطاقة انتخابية " الأمر سهل و بسيط فقط مشوار لن يستغرق خمس دقائق في قسم الشرطة الذي سوف يستقبلك الناس فيه بكل ود و ترحاب و تعاون ، صحيح هناك بعض السليين الذين شككوا في مصداقية هذا الحديث إلا أن كلمات المسئولين و شباب الأمل أعطوني الدفعة كي أكون أكثر ايجابية و تفاعلا مع هذا الجو المشحون بالطاقة و التفاؤل.

بالفعل وصلت للقسم في ميعاد مناسب فوجدت صفا طويلا من البشر ..كلهم جاءوا لاستخراج البطاقات الانتخابية رجلا و نساءا ، كانت هيئة الصف تبعث في النفس البهجة و التفاؤل ، كل هؤلاء يدفعهم الحماس و الخوف على مصلحة الوطن مثلى؟ كل هؤلاء قد شعروا بالأمان بالشكل الكافى الذي جعلهم يجيئون لقسم الشرطة بأنفسهم دون خوف أو قلق إثباتا منهم لحب الوطن، حتى هذه السيدة التى في عمر والدتي جاءت فقط من أجل أن تكون إيجابية و تدافع عن حقها في انتخاب من تريد.
كان شكل هذه المرأة المحجبة التى تبدو في الخمسين من عمرها منهكة تقف في طابور الرجال -لعدم وجود طابور للسيدات- تتحمل كل ذلك كافيا لمحو أي شك داخلى أن الشعب في مصر يثق ..بل و يؤمن أيضا بالحرية و الديموقراطية.

وقفت في آخر الطابور أو في منتصفه ، لا أدري ، فالطابور في مصر ليست له أبعاد أو أشكال محددة ، لا بأس فكلها شكليات لا تؤثر على المضمون كثيرا ، و بينما أنا واقفة أستكشاف الأمر جاءتني شابة في العشرينات من عمرها صغيرة الحجم محجبة تلبس بنطلون جينز و قميص بني اللون فسألتني بابتسامة مصطنعه : " انتى جاية تطلعي بطاقة انتخابية؟"
فأجبتها باستبشار : " أيوة"
في بداية الأمر ظننتها محامية متطوعة من شباب المعارضة جاءت لتساعدني كي أحصل على حقوقي كاملة و لكن ظني تلاشى عندما وجدت العسكري يعاملها بلطف و يسمح لها بالتعامل مع الجمهور بشكل عادي .
لم تعطنى الفتاة أية فرصة للاندهاش أو الاستفهام بادرتني :"فين بطاقتك؟"
و فور أن أخرجتها من الشنطة مشيرة إليها بها كانت البطاقة في يدها و هي تمشي مسرعة قائلة لي " تعالى معايا"
تبعتها في اندهاش فخرجنا من باب القسم و عبرنا الشارع المزدحم حتى وصلنا إلى مكتب التصوير المقابل للقسم ، أعطت البطاقة للشاب الذي كان يقف في مكتب التصوير ، أخذ الشاب البطاقة بطريقة روتينية دون أن ينطق ببنت شفة ثم صورها و أعطاها الصورة و الأصل.
أخرجت البنت نقودا و أعطتها للشاب فأخرجت بدوري نفس المبلغ كي أعطيه إياها فرفضت بشدة ثم تابعتني بلهجتها المتسرعة :"تعالي معايا بسرعة".
تبعتها بخطوات سريعة فدخلنا القسم مرة أخرى ، دخلت إلى غرفة كان يجلس بها عسكري على مكتب متهالك فطلبت منه ورقة النموذج ثم خرجت ممسكة اياها و قالت لي :"تحبي أملألك النموذج أنا؟"
هنا كنت قد ضقت ذرعا من تسرعها فسألتها :" هو انتى أصلا بتساعديني ليه؟ انتى تبع مين؟"
- " أنا تبع دكتورة نادية"
*" دكتورة نادية مين؟"
- " دي واحدة من المرشحين لمجلس الشعب"
استفهمت الأمر فقلت لها :" اااه ... بس أنا مش هرشح حد ماعرفوش "
- " دي كويسة جدا على فكرة و بتساعد الناس "
* " الكلام ده سابق لأوانه ، لما الانتخابات تيجي ابقى اشوف برنامجها و لو اقتنعت بيها ممكن أرشحها لكن بالطريقة دي..لأ"
- " لا طبعا براحتك ..احنا بس بنحب نساعد الناس ، املى انتى النموذج و أنا هستناكي "
ملأت النموذج على عجل حتى أذهب بعيدا عنها و عندما انتهيت منه تبعتني حتى ضقت ذرعا بها فهممت أن أصرخ في وجهها أن " ابتعدي عني فأنا لن أرشح الدكتورة نادية و إن كانت ملاكا بأجنحة" و لكنى بالطبع لم أستطع قول ذلك فقد بادرتني هي كالعادة بقولها :"بصي هتقفى في الطابور ده و لما تدخلى الظابط هيختملك و بعدين تدخلى المكتب اللى جنبه تاخدي رقم و بعدين تديهولي"
*" و اديهولك ليه؟"
- "علشان ابقى استلملك البطاقة "
لم أفهم شيئا منها و لم أرد أن استوضح منها حتى فتركتها ووقفت في الطابور ، و في أثناء انتظاري دخلت فتاة في الثامنة عشر من عمرها تلبس ملابش ضيقة أنيقة شعرها قصير وجهها تملأه المساحيق ، حين تراها تدرك من أول وهلة أنها طفلة تحاول أن تثبت للناس أنها أصبحت شابة و جميلة أيضا.
دخلت الفتاة القسم فعرفها العسكري الواقف على باب القسم ثم قال لها بابتسامة " انتى بنت الدكتورة نادية ، طيب ادخلى"
استقبلتها البنت التى كانت تلاحقني قائلة : " انتى اتأخرتي ليه؟"
_ " أنا لسة يادوب جاية من الجامعة"
- " طيب اقفى معاها هتديلك رقم ابقى اديهولي"
كانت تقولها مشيرة إلى بينما أنا اتميز غيظا من لزوجة بعض البشر حتى رن هاتف الفتاة الصغيرة فأجابت على الفور :
_" ايوة يا مامي..أيوة أنا وصلت ..الناس كلهم هنا عرفوني..لأ داليا وقفتني مع واحدة علشان آخد الرقم بتاعها و راحت هي مع ناس تانية..ماتقلقيش يا سيادة النايبة هههه.. مبروك مقدما يا ماما"
أغلقت البنت هاتفها ثم جائني صوت العسكري الواقف على باب الغرفة التى كنا نقف أمامها :"دورك ..اتفضلي"
دخلت المكتب و ختمت الأوراق من الضابط الذي لم يعر اهتماما بتلك التى تتبعني ثم خرجت من المكتب و دخلت المكتب المجاور ، أعطاني الموظف الذي لم يكن يلبس زيا عسكريا ورقة صغيرة مكتوب فيها رقم كل هذا و الفتاة الصغيرة تتبعني كظلي فسألت الموظف:" هو أنا هعمل ايه بالرقم ده؟"
^" انتى مش عارفة هتعملي ايه ؟ هو انتى جاية تبع مين؟"
*" تبع مين ازاي؟"
^" يعني تبع مين من المرشحين"
*" لأ أنا مش تبع حد ..أنا جاية لوحدي"
^" معقولة..انتى تقريبا أول واحدة تيجي النهاردة مش تبع حد من المرشحين "
*" طيب حضرتك ما قلتليش أعمل ايه بالرقم؟"
^" مفيش يا ستى ...هتيجي في نص مارس تستلمي البطاقة الانتخابية بالرقم ده"
*" شكرا"
^" بقولك ايه يا بنتى"
*" نعم يا حاج"
^" صوتك أمانة ..ماتديش الرقم ده لحد من اللى برة ..و ماتنسيش بقى نص مارس"
أجبته بابتسامة :" حاضر"

أنا لست مخضرمة في أصول الأقسام لكنني عندما خرجت من مكتب هذا الموظف كنت موقنة بأن هذا الرجل لم يكن يوما عسكريا ..لهجته الحانية التى تشبه لهجة أبي ، ملابسه و هيئته المعتاده للموظف المصري ذو النظارة السميكة و البدلة الشتوية ذات الألوان الترابية ، كل هذا يجعلك تشعرانه ربما أبوك أو عمك ، شخص تعرفه جيدا يعطيك نصائح ربما هو نفسه لا يعمل بها لكنه يجد فيك الأمل الآتى كي يحقق أحلامه التى انتظرها سنوات طويلة دون أن تأتي.
ذكرني مظهره بتلك المرأة التى كانت تقف في الطابور منذ دقائق ، و بينما أنا في طريقى إلى باب القسم لمحتها عيني ، كانت لازالت واقفة في الطابور لا أدري لم ، ربما هي أفعال الطوابير في مصر التى لا تحمل أشكالا و لا أبعادا محددة، كانت تتصبب عرقا و تتحدث مع العسكري الواقف بجوارها لم أسمع من حديثها شيئا إلا تلك الجملة :
" أنا و الله ماليش في السياسة و الحاجات دي ، ده أنا حتى لسة جاية من الشغل و تعبانة و عايزة اروح ، لولا انه جارنا ما كنتش جيت ، مش الجيران بردو لبعضيها؟"
خرجت من قسم الشرطة و قد زاد يقيني بوجهة نظري القديمة
- أن الشعب يثق بل و يؤمن ..بأن النبي وصى على سابع جار خاصة لو كان مرشحا لمجلس الشعب-