ليست المرة الأولى التى يمسك فيها بتلك الزجاجة
زجاجة بنية اللون مكتوب عليها (سم قاتل)....0
..................................
و لكن هذه المرة لم يكتف المهندس شوقى بأن يخرج الزجاجة من درج المكتب لينظر إليها كعادته ثم يعيدها إلى مخبأها؛ بل أمسك بها و ضغط على فوهتها ثم فتح الغطاء
لقد إتخذ قراره
الرحيل إلى الأبد
لكن قبل الرحيل أخذ يفكر
هل أرحل هكذا دون أن أترك شيئا لهذه الدنيا التى أودت بي لهذه النهاية ؟؟
لا لن أتركها تفوز في النهاية
ستكون آخر ورقة أكتبها لهذه الدنيا هي حقيقتها
سوف أكشفها أمام نفسها ...و لكن بطريقتى...0
سوف أرسم لها حقيقتها ....لن أنسى أبدا أننى مهندس ..هكذا تعلمت في هذه الدنيا ..أن أرسم كل شئ ...و كما تعلمت ذلك منها سوف أرده عليها وبالا لما فعلت بي
هاهاها ...ايه أيها الدنيا ...سوف أرسم لك حقيقتك الآن
...............................
يضع ورقه أمامه
يمسك قلما سميكا
يحاول أن يرسم
يفكر
يسأل نفسه
من أنت أيها الدنيا؟؟
تلمع عينياه
يرسم ثلاثة أضلاع
يتذكر أستاذة الفلسفة في الثانوية العامة و هي تقول : " الحق - الجمال - الخير ".... يتأمل ...ينظر إلى المثلث بامتعاض ثم يمسك الورقة و يمزقها
........................
ينظر إلى جدران الغرفة
تلمع عيناه مرة أخرى
يتأمل
ينطر إلى الورقة
يرسم مربعا
يتذكر أباه في الحبس ...هو أيضا في حبس و لكن ..شتان بين الحبسين فجدران حبس أبيه لا تحرمه من أن يبتسم و لو قليلا لا لشئ إلا لأنه يعلم أنه يوما ما سيخرج من هذا الحبس ...أما شوقي فلن يخرج من حبسه أبدا فجدران حبسه الأربعة داخله ...قابعة في قلبه ..حاول الكثيرون أن يخرجوه منها و حاول هو أيضا ان يخرج منها كثيرا و لكن...لم يخرج حتى الآن
يفكر ...كيف كان أمله كبيرا عندما تزوج سنية أن تكون هي ذلك الشئ الذي يخرجه من ذلك الحبس ..و لكن على العكس ...يتمنى الآن لو لم يقابلها تلك الخرقاء عالية الصوت لا يهمها إلا ولدهما ...لا تهتم به إبدا ..تعامله كخيال يعيش معهم إلا أنه خيال مطيع يسمع الأوامر و ليس عليه إلا التنفيذ فقط
تدمع عيناه
ينظر إلى المربع في الورقة
يمسح ضلعا من أضلاعه
............................
يتمعن المستطيل
يهز رأسه
تمر أمامه صورة جده ذلك الطاعن في السن ...خمسة و ثمانون سنه ..ياااه ..لقد عاش طويلا ..كانت حياته كذلك المستطيل ...طويلة طويلة ...و لكن ماذا حدث له في النهاية .....أمراض عضال ...تأوهات مريرة ...أدوية قاتلة ...عذاب ..عذاب ..ثم سكون تااااااام
..................................
ينظر إلى المستطيل
يحرك رأسه بالنفي
يتذكر سلمى تلك الطفلة الجميلة ..إبنه أخيه عندما ابتلعتها دوامة البحر منذ خمسة سنوات ...لا ينسى شكلها و هي تدور في الدوامة أمامه و هو عاجز ...لم يستطع أن ينقذها ...كم كان يحبها وكم كان مشهد الدوامة مرير
تسقط من عينيه دمعة
يرسم دائرة الدوامة على الورقة
يضع القلم
يبكي
يبكى
....................................
يتذكر رئيسه في العمل ذلك المتغطرس و هو يقول :"لا لن نقبل هذا المشروع إنه مشروع صغير جدا " ثم يعود في اليوم التالى ليقول :"شوقى ...سوف نبدأ بالعمل في هذا المشروع "0
تمر أمامه صورة المذيعة في التلفاز " استقبل اليوم وزير الخارجية وزير خارجية دولة العدو و اتفقا على التعاون المشترك في حل أزمات المنطقة "ثم يذكر في نفس االقناة و نفس المذيعة و هي تقول " و قد صرح وزير الخارجية أن الدولة لن تسكت عن حقوق أبنائها التى ضاعت على يد دولة العدو
عالم عشوائي
هلامي
يمسك القلم
ينظرإلى الدائرة ثم يرسم أشكالا عشوائية تخرج
يتذكر في الصف الأول الثانوي تلك المدرسة الحسناء و هي تقول " الأميبا حيوان ذو شكل هلامي" ..يتذكر و هو يسألها "مامعنى شكل هلامي" ..تمسك المدرسة بالطباشير ثم ترسم له الشكل الهلامي على السبورة ...لم يكن يعلم أنه سوف يستخدم تلك المعلومة في ذلك
و لكن المهم أنه قد توصل أخيرا لنتيجة ترضيه
يبتسم
تتسع ابتسامته
يضحك
يضحك
............................
"لقد انتصرت عليك أيها الدنيا ..الآن عرفتك ..و الآن فقط كشفت حقيقتك أمام نفسك ..سوف اتركك تحتسين كؤوس الندم ...و سوف أحتسي أنا ذلك الشراب اللذيذ ...ذلك الشراب الذي سيحول بينى و بينك"0
يمسك الزجاجة يرفعها ببطء
يضع فوهتها على شفته
يميلها
................................
"هذا الولد في منتهى البلاهة و لابد أن تذاكر له مسائل الرياضيات فهو لا يفهم في هذه المادة شئ ...هيا لتذاكر له ..أسرع".0
قالتها سنية ثم خرجت من الحجرة مثل المدفع الذي أطلق رصاصته و استدار يبحث عن شئ آخر ليطلق عليه البعض..0
و لكن ماذا حدث لشوقي؟؟ !!!....لقد وضع الزجاجة على المكتب و قال :"محمود ..ولدي ...نعم لقد نسيته ..نسيت أننى لابد أن أذاكر له حتى يصبح مهندسا كما تمنيت ..إذا سأؤجل الانتحار حتى أذاكر له ...لا سأؤجله حتى ينجح في الثانوية العامة ...لالا سأؤجله حتى يتخرج من كلية الهندسة و يعمل و يتزوج ....هاها ..و ما يدرينى أنى سأعيش حتى ذلك العمر ...يالنى من أبله ..."0
يضع الزجاجة على المكتب ثم يمشي
يقف
يتذكر
يتذكر إمام المسجد في آخر جمعة صلاها منذ شهرين عندما كان يروي ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ..كان يقول :
ذات مرة رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً ثم تلا قول الله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "، ثم رسم على جوانب الخط المستقيم الطويل خطوطا متعرجة وقال: (على كل طريق من هذا شيطان يدعو).
...................................
يبتسم ثم يرجع للورقة
يضحك
يمزق الورقة و يلقى بها
يأخذ ورقة جديدة
بيضاء
يرسم عليها خطا مستقيما
و فقط
...........................
"محمود ......هات كتاب الهندسة بسرعة عنوان الدرس تعريف الخط المستقيم : هو أقصر طريق بين نقطتين
.....................................
هناك ٧ تعليقات:
انا قريت التدوينة دي اول ما اتكتبت بس حبيت اعيد قرايتها من تاني اكتر من مرة
قصة دعوية هايلة وبطريق غير مباشر واثرت فيا جدا .........رااااااااااائعة تلك القصة وصياغتها ايضا
جزاكي الله خيرا كثيرا
الأخ مصراوي أوي
جزاك الله خيرا على تشجيعك و على قرائتك للتدوينة أكثر من مرة و اهتمامك بالتعليق ...
أنا عدلت في تنسيقها شوية بعد ما كتبتها امبارح لانى حسيت انها غير واضحة
يارب تكون فعلا عجبتك
تحياتى
هههههههههههه تحفة هو انتى مؤلفتها؟؟؟ ده انتى تبقا حلوة اوى وتنافسى احمد خالد توفيق كمان
:)
اكتر جمله عجبتنى انى مش همشى الا ماسيب حاجة للدنيا الى بهدلتنى
قصة جميلة فعلا يا حلم
كل واحد فيه في حياته امل
بس احنا اللي بنعمى عنه في وقت الشدة
تبقي فكرة لطيفة لو كل واحد في وقت الرخاء كتب خمس ست حاجات بيحبهم..عشان في لحظات اليأس يمسك الورقة دي يقراها ويعرف ان الحياة فيها حاجات حلوة
تحياتي
honda
شرفتي مدونتى المتواضعة
أه و الله انا اللى مألفاها في ساعة صفا أيام الكلية...عجبتك
ياريت كل واحد فينا فعلا يحاول يسيب حاجة للدنيا بس تكون حاجة مفيدة
أميرة البلطجية
المدونة نورت و الله
أشكرك
فكره حلوة و ياريت كمان كل واحد يكتب في نفس الورقة أحلامه اللى لسة ما حققهاش علشان يكون دايما واضح الرؤية
تحياتى
بالصدفة قرات هذه التدوينه بل هذه القصة الرائعة والمعبرة والتي اجمل مافيها انها المسة الدعوية الرائعة
لديك قلم موهوب
رجاءا استمر
بارك الله فيك
إرسال تعليق